د. مالك العظماوي ||
مرت على العراقيين سنوات عجاف خصوصاً في تسعينيات القرن المنصرم، عندما فُرض الحصار على الشعب العراقي الذي ساهمت به جميع ما تسمى بالدول العربية، بل وراح العرب يسخرون من العراقيين وهم شامتون.
وفي خضم هذه الظروف العسيرة، إلتجأ العراقيون إلى الصلاة والتعبد بشكل غير مسبوق، واتجه الشباب نحو العبادة لا سيما كان اللبث في المساجد والجوامع مراقباً من قبل رجال الأمن والرفاق البعثيون. وكما قيل: (كل ممنوع مرغوب) فقد تسابق الشباب إلى المساجد ليغيظوا النظام آنذاك.
وكان لنا شخص من أرحامنا يدعى (سعدون) لا يصلي، وكنا نحثه الصلاة والإلتحاق بركب المصلين، لكنه كان يأبي وحينما نتوجه لصلاة الجماعة كان يودعنا قافلاً إلى داره، لينعم بالراحة والغداء في حين نحن نتأخر في صلاة الجماعة التي يؤمها المغفور له سماحة السيد قاسم السيد هجر رحمه الله تعالى. فقد كانت الصلاة الوحيدة في المدينة، ولم تقام اي صلاة جماعة أخرى سواها، وكانت المساجد الأخرى شبه خالية إلا من بعض كبار السن الذين يعدون بعدد الأصابع.
وذات يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، ألححنا على سعدون ليذهب معنا إلى الصلاة ويرى الأعداد الغفيرة التي تحضر الصلاة ويستعذ بالله من الشيطان ويجرب الصلاة معنا. وبعد الجدل والنقاش معه إقتنع أن يرافقنا ونذهب سوية إلى مسجد الشيخ عباس. وفعلاً التحقنا بالجموع المؤدية للصلاة وكان المصلّون كثيرين بسبب حلول شهر رمضان الفضيل كما وقد وافق يوم جمعة فقد ازدادت اعداد المصلين. وبعد أداء صلاة الظهر، وقراءة الدعاء بين الصلاتين، نهض السيد قاسم رحمه الله تعالى ووقف بالمحراب قائلاً:
اليوم ونحن نعيش هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل، نريد أن نخبركم بأن أخاكم (بولص) الذي كان مسيحياً قد دخل بالإسلام وعلى مذهب أهل البيت عليهم السلام.
وهنا تعالت الصلوات والتكبير، وبإشارة من السيد قاسم، نهض شاب ثلاثيني ووقف بجانب السيد وأخذ يتحدث عن سبب اعتناقه الإسلام، فتعالت الأصوات ثانية مرحبة به، وكثرت الصلاة على النبي وآله، وكان يوماً مشهوداً بتاريخ الناصرية في حينها، وكان صاحبنا سعدون يسمع ويرى ما يحدث أمامه، ونحن مبتهجون وننظر إلى سعدون عسى ان يزيد هذا الموقف من إيمانه.
وبعد الصلاة، وعند خروجنا من المسجد الذي يقع بالقرب من سوق إخوتنا الصابئة، شعرنا بالفضول يقتلنا لنسمع رأي سعدون بصلاة الحماعة وبما حدث هذا اليوم مع الأخ المسيحي الذي إعتنق الإسلام، لكن سعدون فاجأنا بقوله:
- اليوم حضرتُ معكم هذه الجمعة، فأسلم رجل مسيحي، وسترون في الجمعة القادمة سوف لن يبقى صابئياً إلا ويأتي معكم للصلاة.
دخلنا بنوبة من الضحك من كلام سعدون ولم نستطع كتم ضحكاتنا طيلة الدرب ونحن عائدون لبيوتنا.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha