محمد جواد الميالي ||
ذات مرة، في أرض أقصى العراق، ثلاث محافظات مزقتها أنياب الحرب، لكن تردد صدى نداء في إحدى أزقة النجف، كانت دعوة إلى العدالة، الوحدة وتحرير المدينة من الظلام، جاءت هذه الدعوة من المرجع الأعلى السيد علي السيستاني للشعب العراقي، " أحملوا السلاح، جهاداً كفائي ضد التنظيم الإرهابي داعش"، الذي عانت المنطقة بسبب حكمه الجائر.
أظهر أبناء الوسط والجنوب الشيعي، إستجابة سريعة لهذه الدعوة، وتفانياً لا يتزعزع لنصرة وطنهم، من بين الذين وقفوا في طليعة خط الصد، شبان شيعة شجعان، عرفوا أن طريق التحرير سيكون محفوفاً بالمخاطر، لكنهم ظلوا حازمين في التزامهم، مؤمنين أن تضحياتهم ضرورية للحفاظ على السلام و مستقبل بلدهم الحبيب.
أصبحت معركة تحرير الموصل، المدينة التي عانت من حكم داعش القمعي، رمزاً للأمل للشعب العراقي، لم تكن معركة تتطلب القوة الجسدية فحسب، بل تطلبت أيضاً روحاً لا تلين من أولئك الذين رفضوا الخضوع للإستبداد، حملوا السلاح وساروا بلا خوف نحو الموصل، مستعدين لمواجهة ما ينتظرهم، يحملون عبارة، أما الشهادة أو النصر..
لكن ولاء العراقيين لم ينبع فقط من دعوة الجهاد، حيث كان يغذيهم شعور عميق بالخسارة والألم، على أخوتهم السنة، رغم مذبحة سبايكر التي تركت أثراً لا يمحى في قلوبهم، لذلك لم يعد بإمكانهم تحمل رؤية أخوتهم يقعون ضحية وحشية داعش، هكذا أصبحت معركة نينوى ثأراً من أجل العدالة و معركة ضد القوى التي مزقت مجتمعاتها.
في هذا الصراع الملحمي، برزت قوة محورية، الحشد الشعبي بكافة وحداته، المكونة من مجموعات مسلحة عراقية مختلفة، جنباً إلى جنب مع الجيش العراقي، أصبحوا بديلاً لا غنى عنه، قوة أيديولوجية ووطنية يقودها هدف مشترك، تحرير وطنهم من براثن الإرهاب.
كان وجود فصائل الحشد الشعبي شهادة على وحدة الشعب العراقي وصموده، على الرغم من الإختلافات في الخلفيات الدينية، فقد وضعوا إنقساماتهم جانباً لقتال عدو مشترك، لقد تخطى التزامهم تجاه العراق ومستقبله كل الحدود الطائفية، مما عزز الشعور بالهوية الوطنية الذي كان أقوى من أي وقت مضى.
مع أحتدام المعركة، واجه الحشد العديد من المحن، مقاومة شرسة من داعش المعزز بالسلاح الدولي، في مقابل إفتقار الأول للأسلحة المتطورة، لكن تفانيهم وتضحياتهم دفعتهم إلى الأمام، كل خطوة يتم إتخاذها، كل حياة تُفقد، وكل نصر يتم تحقيقه، أصبح شهادة على روحهم السامية.
تحولت الأشهر إلى سنوات.. بعد صراع طويل وشاق، أخيراً حررنا الموصل، أبتهج العراقيون، ليس فقط لإستصلاح المدن الثلاثة، لكن للوحدة التي أقامها الحشد الشعبي في مواجهة الشدائد، كانوا دليلاً على صمود أمة أصابها الصراع، إن شهدائهم وإيمانهم الراسخ بإرساء السلام، وقدرتهم على التوحد رغم الإختلافات، كل ذلك يشكل مصدر إلهام للعالم.
علمتنا معركة الموصل أنه في أحلك الأوقات، يمكن لنور التفاني والتضحية أن يقودنا نحو مستقبل أكثر إشراقاً، لقد علمتنا أنه عندما تتحد أمة تحت قضية مشتركة، فلا يمكن أن ينتصر أي عدو، لقد أظهر لنا شبان الجنوب، قوة الوحدة والروح التي لا تقهر لشعب مصمم على الإرتقاء فوق التحديات التي يواجهها.
https://telegram.me/buratha