نصير مزهر الحميداوي ||
الانتظار بشكل عام بعيداً عن عالم المصطلحات يمثل حالة صراع مع النفس ورغباتها حيث يتجذر فيه الصبر والصلابة ضد عجلة الإنسان واسراعه (الانتظار دعوة الى الرفض، لا إلى الاستسلام، رفض الباطل والظلم والعبودية والذلة، الانتظار راية المقاومة الراكزة في مواجهة كل باطل وظلم وكل ظالم) قد يتصور الإنسان أن المقصود من الانتظار هو المكوث دون حراكٍ وعملٍ للتغيير، كالغريق الذي ينتظر فريق الانقاذ، ويعيش أمل مجيئه قبل الغرق، لكنه لا يقاوم من أجل النجاة، وهذا يعني أن يجلس المؤمنون لينتظروا ظهور الإمام من دون أي تحرّك فاعل وحقيقي وهو ليس الانتظار المطلوب.
الانتظار السلبي: المقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً دون أي حراك أو فعالية تذكر، ودون أن يقوم بأي عمل تغييري، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقق منه، ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقق شيء منها، وهذا يعني أن الوظيفة الأساسية للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف دون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي.
يحب بعض الناس أن يصوروا حالة الانتظار بأنها مسألة نفسية نابعة من حالة الحرمان في الطبقات المحرومة في المجتمع والتاريخ، وحالة الهروب من الواقع المثقل بالمتاعب إلى الاستغراق في تصور المستقبل الذي يتمكن فيه المحرومون من استعادة جميع حقوقهم واستعادة السيادة والحقوق المغتصبة، وهذا نوع من أحلام اليقظة، أو الهروب من الواقع إلى التخيل، المفهوم هذا يترتب عليه سلوك حضاري معين، فقد يفهم الناس الانتظار بطريقة سلبية يتحول فيها هذا المفهوم إلى عامل للتخدير، والإعاقة عن الحركة، وقد يفهم بطريقة إيجابية تجعل منه عاملاً من عوامل التحريك، والبعث والإثارة في حياة الناس، فالانتظار ثقافة ومفهوم حضاري يدخل في تكوين عقليتنا، وأسلوب تفكيرنا ومنهج حياتنا، ورؤيتنا إلى المستقبل، وبشكل فاعل ومؤثر، وله تأثير في رسم الخط السياسي الذي نرسمه لحاضرنا ومستقبلنا.
أن يسلك الإنسان لتحقيق هذا الانتظار الآلية المعقولة التي دعا إليها اللَّه تعالى لهذا التغيير، فإن هذا التغيير من جانب اللَّه تعالى لا شك في ذلك، ولكن ضمن آلية معينة، وما لم يستخدم الإنسان هذه الآلية، فلا يصح له أن يتوقع أو ينتظر هذا التغيير من جانب اللَّه، وهذه الآلية هي أن يبدأ الإنسان بتغيير ما بنفسه حتى يغير اللَّه تعالى ما به، حينما يُقبل الإنسان على مهمة عظيمة ماذا عليه ان يفعل لكي يكون في مستوى هذه المهمة؟ باعتبار أن الناس تختلف في موقفها في التعبير عن الانتظار وفي تجسيده.
هناك فئة قد تصل حماقتها الى درجة أن الإمام عجل الله فرجه الشريف إنما يظهر بعد أن تملأ الأرض ظلماً وجورا، لذلك دعواهم بأن المنتظر الحقيقي يجب أن يساهم بانتشار الظلم والجور سواء عدم مقاومة الظلم او اسهاماً بانتشاره، بحيث يظهر الامام عجل الله فرجه الشريف على طريقة عبادة الله سبحانه وتعالى من حيث عصيانه، وهناك فئة تتحدث عن استعدادات واهمة ورمزية، وهذه الاستعدادات ربما حدت بالبعض الى أن يبقى محافظاً على وجود فرس وسيف ورمح له، لأن صيغة الاستعداد هي هذه بأن يشتري هذه الأدوات ويبقى يواظب على ادامة هذه الامور لأنها عدته الى الامام عجل الله فرجه الشريف، ومنهم من يتحدث عن الانتظار بعنوانه قصة مجردة لواقع مجرد، لا لواقع سوف يتجسد على الأرض ويؤثر في المجتمعات تأثيراً مادياً مباشرا.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha