ريهام سالم
في نهاية العام الماضي وقَّعت بريطانيا والبحرين صفقة دفاعية لإقامة قاعدة بحرية بريطانية بالمملكة، تدفع المنامة بموجبها 23.5 مليون دولار مقابل توسيعات كبيرة في المنشآت البحرية البريطانية في الخليج العربي، وهو الأمر الذي أثار جدل حينها حيث وصفت القاعدة بأنها أكبر قاعدة عسكرية بريطانية دائمة في المنطقة منذ عام 1971، حينما سحبت بريطانيا كافة قواتها من شرق السويس.
رفض بحريني وبريطاني
خرجت على إثر توقيع هذه الاتفاقية ردود فعل غاضبة وحالة من الغليان في الشارع البحريني، حيث اعتبرها مراقبون بداية لعودة الاستعمار التقليدي من جديد، وتمكين للاحتلال العسكري المقنن لكامل الخليج، وفتحت الاتفاقية بابا للتساؤلات حول ازدياد السيطرة العسكرية الغربية والأمريكية على الخليج، والتي تأتي تحت دعوات محاربة الإرهاب.
من جانبهم، أعلن أعضاء بالبرلمان البريطاني، رفضهم لسياسة بلادهم إزاء البحرين، وخاصة فيما يتعلق بتعزيز الروابط العسكرية مع السلطة الحاكمة في البحرين، ووقعوا عريضة رافضة لإنشاء القاعدة. واعتبروا أن الإعلان عن الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع البحرين لإقامة قاعدة عسكرية دائمة في ميناء سلمان، سيكون "مزعجًا للغاية" لجميع أولئك الذين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل حكومة البحرين ومسؤوليها، وأضافوا أن هذا الإعلان سيبعث رسالة مفادها أن حكومة المملكة المتحدة ليست مهتمة بالعدالة، وسيادة القانون والمصالحة في البحرين.
وأشار البرلمانيون إلى الاحتجاجات التي عمت البحرين منذ توقيع الاتفاقية، وأعربوا عن خشيتهم من أن تؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة وزيادة الوجود العسكري البريطاني.
استياء حقوقي ورد بريطاني
وخرجت منظمات حقوقية وممثلين عنها منددين بتوقع هذه الاتفاقية واعتبروها دفع المملكة لتكاليف القاعدة هو بمثابة "رشوة" لبريطانيا لتصمت عن السجل المتدني للبحرين في مجال حقوق الإنسان وتتغاضى عن الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
وأكد رئيس منظمة سلام البحرين لحقوق الإنسان جواد فيروز، حينها، أن إبرام اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية بريطانية في البحرين مخالف للقانون. وغرد عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قائلًا: هناك مخالفة دستورية واضحة في إبرام اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية بريطانية في البحرين، وذلك لمخالفتها للمادة 37 من الدستور، والتي توجب صدور قانون".
وتنص المادة 37 على أن الملك يبرم "المعاهدات بمرسوم، ويبلغها إلى مجلسي الشورى والنواب فورًا مشفوعة بما يناسب من البيان، وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية".
وتقول المادة: "إن معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة والإقامة، والمعاهدات التي تٌحمِّـل خزانة الدولة شيئـًا من النفقات غير الواردة في الميزانية أو تتضمن تعديلا لقوانين البحرين، يجب لنفاذها أن تصدر بقانون. ولا يجوز في أي حال من الأحوال أن تتضمن المعاهدة شروطـًا سرية تناقض شروطها العلنية.
ورد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، أمس على هذا الجانب، قائلا: إن بريطانيا تساعد الدولة الخليجية على التغير، البحرين ليست مثالية بأي حال، لكنها على دراية بما ينبغي عليها فعله وتتخذ خطوات باتجاه هذا".
وأضاف: سلطات البحرين أحيانا "تطلب دعمنا لمساعدتهم على الإصلاح، على سبيل المثال (في مجالات) قوة الشرطة الخاصة بهم ونظامهم القضائي وخدمة سجونهم، وذلك من أجل تحسين المعايير تدريجيا وجعلها قريبة مما نتوقع أن نراه".
إلا أن مراقبين ذهبوا إلى أن الرفض الشعبي لوجود القاعدة البريطانية في المملكة هو رفض "شيعي" يعبر عن رأي شيعة البحرين فقط لا عن إجمالي الشعب، مشيرين إلى أن بريطانيا هي من سلحت الحكومة البحرينية لمواجهة ثورة 14 فبراير، حيث كان وزير الأعمال البريطاني مايكل فالون قد صرح في ديسمبر 2013 بأن البحرين من بين 52 دولة تدعمها بريطانيا من جهة التجارة في الأمن والدفاع.
بدء تشييد القاعدة البحرية
ورغم كل ما سبق سرده من أبعاد توقيع الاتفاقية وما حاوطها من ملابسات، إلا أن الحكومتين "البريطانية والبحرينية" تجاهلتا ذلك وبدأتا، أمس السبت، أعمال تشييد القاعدة، حيث شارك وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند وعسكريون من قطاع البحرية في مراسم تدشين العمل على بناء قاعدة إتش إم إس الجُفير في ميناء سلمان.
وقال هاموند: "إن القاعدة تُظهر التزام بريطانيا تجاه الشرق الأوسط"، وأضاف "وجود البحرية الملكية في البحرين مضمون في المستقبل، بما يضمن وجود بريطانيا المستمر شرق السويس".وتابع:"المنشأة الجديدة ستُمكّن بريطانيا من العمل مع حلفائنا لتعزيز الاستقرار في الخليج وما وراءه".
وتداولت وكالات الأنباء أخبار تشير إلى أن المشروع يهدف إلى دعم انتشار قوات البحرية الملكية في الخليج من خلال إنشاء قاعدة دائمة ومتطورة
سيطرة عسكرية غربية بدعوى محاربة الإرهاب
وفتح توقيع بريطانيا مع البحرين هذا الاتفاق عدة تساؤلات، حول ازدياد السيطرة العسكرية الغربية والأمريكية على الخليج، والتي تأتي تحت دعوات محاربة الإرهاب.
فقد قالت صحف بريطانية قبل أشهر من توقيع الاتفاقية العام الماضي، إن المملكة المتحدة تخطط لإنشاء قواعد عسكرية وبحرية لها في الخليج العربي، خاصة في الإمارات والبحرين وعمان، وهو ما أيدته الصحف البريطانية ومن بينها صحيفة التايمز، التي خرجت بتقارير تؤيد تلك الخطوات، مشيرة إلى أن قرار بريطانيا بإنشاء تلك القواعد العسكرية جاء في إطار التحضيرات التي تقوم بها لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وأوضحت الجريدة أن وجود القوات البريطانية في الخليج سيعزز من قدراتها على القيام بالتدريب والمناورات العسكرية مع "دول صديقة بالمنطقة"، مشيرة إلى أن ذلك يأتي " كجزء من خطة طويلة لتحقيق الاستقرار في منطقة تعتبر تهديدا على الغرب"، بحسب ما قالته الجريدة.
ونقلت التايمز عن السفير البريطاني الأسبق في الأمم المتحدة، جيريمي غرينستوك، تأكيده أن الوجود العسكري البريطاني سيمنع توسع الجماعات الجهادية، مبينا أنه سيكون صعبا على الخلايا الجهادية الداخلية في البحرين والإمارات أو أي مكان التفكير بمواجهة الحكومة حين يشاهدون وجود قوات مدربة ومسلحة مع الحكومة.
https://telegram.me/buratha