المصدر : البحرين اليوم
رمى أحمد نعاله نحو القاضي، ليقول له: “هذا مقامك، وهذا قدَرك، وعند هذا المستوى تبلغ محكمتك عندي”...
في أكتوبر 2014م، وقفت الناشطة المعتقلة زينب الخواجة أمام قاضٍ خليفيّ، وقالت له بأنها “ابنة رجل حرّ وشجاع”، ومزّقت صورة الحاكم الخليفي حمد عيسى الخليفة وسط قاعة المحكمة.
الذين يؤرخون لوسائل المقاومة المدنية سيكون عليهم البحث كثيرا في “المفهوم المناسب” الذي ينطبق على هذا السّلوك النادر، ومن فتاة عُرفت بأنها لا تلين أمام العساكر والقنابل الغازية والحارقة.
في سيرة الاحتجاج التي دونتها الخواجة على مدى 5 سنوات خلت، كان الشغل الشاغل لها هو إسقاط “شرعية الظالم”، ونزْع “الهالة” عن مؤسسات “الإكراه” و”القمع” و”الاحتجاز” التابعة للنظام.
القضاء كان هدفاً مهماً للنشطاء والمعارضين. هو المكان الذي يُشرّع اضطهاد السكان الأصليين، وينزْع عنهم وجودهم الأصيل وحريتهم الكاملة، وهو ذاته المكان الذي يُقنن إفلات القتلة والجلادين من العقاب. هو لأجل ذلك يستحق أن يكون هدفاً لعمليات الإسقاط، والمقاطعة، والاستخفاف.
الأستاذ عبد الوهاب حسين قال للقاضي الخليفي، بعيد الحكم بسجنه بالمؤبد، بأنه لا يعترف به ولا بمحكمته. كان ذلك إمضاءا على ما هو أهم من رفْع شعار “إسقاط النظام”. إن آخر “قلاع” هذا النظام وتحصيناته أمام العالم؛ ليس له قيمة، وليس محلا للاعتراف.
ولكن، حجم الفظائع التي تبصم عليها محاكم آل خليفة تتطلب المزيد من إجراءات الإسقاط. ما فعلته الخواجة قبل نحو عامين كان ذروة هذه الإجراءات، ولجهة القول لهذه المحاكم بأن السلاح القاتل في الشّوارع الذي عجز عن إسكات ابنة الخواجة عن رفع شعار “يسقط حمد” وتمزيق صورته؛ هي (أي هذه المحاكم) أكثر عجزا عن القيام بذلك. والخطوة الإضافية للخواجة هو أن تُرِيَ القاضي الخليفي كيف تمارس حرّيتها الكاملة في التعبير عن رأيها، وفي وسط الفضاء الذي تخرج منه، يوميا، عشرات الأحكام الظالمة بحق النشطاء والمواطنين.
ما فعتله الخواجة أصبح درساً. وهذا أبرز ما يُخيف الخليفيين من الخواجة وبناته: “أفعالهم وأقوالهم تتحول إلى دروس نموذجية، يتعلم منها الجميع، اليوم أو غداً”.
أحمد شاكر تعلم هذا الدرس جيداً. ولكنه كان يريد أن يُلقّنه للقاضي الخليفي تلقيناً مناسباً، ومن خلال “النعال”. علي خليفة الظهراني، سيء الصيت، وصاحب الأحكام المغلظة والانتقاميّة؛ كان بحاجةٍ إلى درس خاص من أحد ضحاياه.
أحمد الذي مثل أمام المحكمة اليوم الثلثاء، 15 مارس، رفض التهم الموجهة له بصناعة جسم يُحاكي القنابل. وسأل القاضي: “كيف يمكن لي أن أصنع هذا الجسم، وأنا محكوم 40 سنة؟”
عجز قاضي آل خليفة عن الرد، ولم يستطع أن يأتي بالشاهد الذي طلبه أحمد، وعمِد إلى الطلب من الشرطة إخراج أحمد من قاعة المحكمة. هنا، كان لابد من إتمام الدرس. فَرْدة نعال كانت اليوم على موعد خاص مع جيبن قضاة الجور. رمى أحمد نعاله نحو القاضي، ليقول له: “هذا مقامك، وهذا قدَرك، وعند هذا المستوى تبلغ محكمتك عندي”.
أحمد الذي عانى التعذيب، والتغييب لأكثر من شهر بعد اعتقاله في مايو 2015م، سيكون محاطا اليوم بانتقام من المرتزقة. إلا أنهم سيكونون عاجزين عن الوقوف أمام السر الذي يشحن فيه، وفي أمثاله، هذا الجلَد والصمود والجرأة لتحطيم آخر أساطير القهْر في البلاد.
المغردون أشادوا ب”نعال” أحمد شاكر الذي رأى بعضهم أنه يُعادِل 4 سنوات من الثورة.
هناك منْ أبدى الخشية من انتقام الخليفيين بعد الدرس “العملي” في الصمود والتحدي الذي قدّمه أحمد للقضاة الخليفيين.
وحتى تاريخ جلسته المقبلة في 30 مارس الجاري، فإنّ القاضي الذي سينطق بالحكم لن يغيب عنه لحظة واحدة موقف اليوم، وستظل صورة “النعال” حاضرة في أوراق الحكم الجائر..
..............
https://telegram.me/buratha