تكرر الحديث سابقا عن بلوغ الصراع بين البحرانيين والخليفيين نقطة اللاعودة، بعد ان كثفت العصابة الحاكمة جرائمها ضد الشعب وبالغت في التنكيل والاستعباد. وفي المقابل كرر البعض كذلك التفاؤل بما يسميه "حوارا" مع الخليفيين. الامر الواضح اليوم ان المواجهة المصيرية بين شعب البحرين والقبيلة التي جثمت على صدره عقودا بلغ ذروته، وان المفاصلة باتت وشيكة. وحتى لو سعى احد الطرفين للانسحاب من هذه المواجهة الحاسمة فلن يتحقق له ذلك. فداعمو الطغمة الخليفية دفعوهم لارتكاب ابشع الجرائم بحق الشعب، فاستهدفوا دينهم وعقيدتهم، بعد ان هدموا مساجدهم، واغلقوا مؤسساتهم، ابتداء بالمجلس العلمائي قبل عامين، وقبله جمعية العمل الاسلامي، وقبل ذلك مركز البحرين لحقوق الانسان. وربما اعتقد البعض ان العدوان سيتوقف عند هذا المستوى، وان الديكتاتور لن يختلق مواجهة مع جمعية الوفاق مثلا او جمعية التوعية، انطلق ذلك الاعتقاد على افتراض ان الحاكم المتجبر قد يستخدم عقله او يلجأ للمنطق لحساب تبعات اية خطوة. ولكن ما جرى في الاسابيع الاخيرة يؤكد كافة ما طرحه الفريق المعارض الذي رفض ما سمي "المشروع الاصلاحي" قبل اكثر من عشرة اعوام، واصر على مقاومة التسلط القبلي بما لديه من امكانات، وآلى على نفسه ان لا يمنحه شرعية الاعتراف او المشاركة في مشاريعه. اليوم اتضح ان التعويل على الحكم الخليفي لم يكن في مكانه، وان الاعتقاد بان الطاغية حر في تصرفاته وسياساته بعيد عن الواقع. فهو عبد للسعوديين، وأسير لدى داعميه الغربيين برغم تظاهره احيانا بانه يستطيع التمرد عليهم.
لم يكن احد يعتقد ان الديكتاتور سوف يسير باتجاه يزعج المنظمات الحقوقية الدولية بالاسلوب الذي مارسه. فعندما اقدم على اعتقال الاستاذ نبيل رجب في صباح اليوم الذي بدأت فيه اعمال الدورة الثانية والثلاثين لمجلس حقوق الانسان، اتضح ان هناك قرارا سعوديا بتحدي بعض المؤسسات الغربية التي لا تملك قدرة تنفيذ قراراتها. وتأمل الرياض ان يكون هذا التحدي سببا لاقناع الغربيين بعدم جدوى التطلع لتغيير سياسي جوهري في البحرين. ويبدو ان المشورة الاسرائيلية تهدف لالحاق صفعة بالمعارضة تهز كيانها وتفقدها التوازن، وعندها ستستسلم للطغمة الحاكمة. تلى ذلك قرار خليفي آخر بحل جمعية الوفاق، كبرى الجمعيات السياسية واكثرها بعدا عن التحدي او العنف. وتجاوز الطاغية هذا القرار ليتظاهر بقدرته على تحدي الرمز الديني والوطني الاكبر للبلاد. فاصدر قراره المشؤوم باقتحام خصوصيات قائد الشعب، مدعيا ان الشيخ يمارس "غسيل الاموال"، فما اسخفه من ظالم، وما اوهي بيته واتفه عقله. ثم اصدر قرارا آخر قبل ان يحاكم الشيخ الكبير بالتهمة الملفقة ضده، وامر بسحب جنسيته تمهيدا لابعاده عن البلاد. وهنا اتضحت خيوط المؤامرة الكبرى على الشعب، خصوصا بعد ان ألمح الخليفيون الى انهم يواجهون تحديا يستهدف وجودهم. هذا التطور دفع الجماهير لاستيعاب حجم الجريمة وابعادها، وان الطاغية وعصابته لن يقتصروا على التنكيل بالشباب الابرياء، بل انهم يسعون لاحداث تغيير جوهري على التركيبة السكانية يرتكز على اخلاء البلاد من مرجعياته الدينية وقياداتها السياسية الموزعة على المنافي والسجون. وهنا هبت الجماهير المؤمنة للدفاع عن سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم، لانهم ادركوا ان سحب الجنسية خطوة اولى على طريق الابعاد. هؤلاء هرعوا لحماية منزل الشيخ والتخندق حوله حتى يطرأ تغيير يحمي الشيخ ويعدي له حقوقه المسلوبة ظلما وعدوانا. وامعانا في التنكيل والاستضعاف عمد الديكتاتور لتغيير مواعيد محاكمة مناوئيه سواء جمعية الوفاق ام الشيخ عيسى. وتحدى هذا الصعلوك الخليفي كافة القيم فاصدر امره باغلاق جمعية التوعية الاسلامية بدون محاكمتها. وقام بسحب الجنسية عن الشيخ عيسى بجرة قلم واحدة من طاغية البلاد المجرم.
اليوم يقف الشعب على مفترق طرق فريد من نوعه، بين ان يكون او لا يكون. لم يعد الصراع من اجل نيل الحقوق السياسية فحسب، وان كانت المطالبة بها قائمة ولن تتراجع، بل ان تطورات السنوات الخمس عشرة منذ ان اعتلى الطاغية الحالي كرسي الحكم تؤكد ان الوضع قد تراجع كثيرا وان السكان الاصليين اصبحوا مستهدفين بمشروعه الذي اصبح مصداقا لما يسمى "الابادة" حسب تعريف قانون الابادة الذي طرحته الامم المتحدة. وجاء بيان كبار علماء البحرين قبل اسابيع ليؤكد هذه الحقيقة التي تجلت بوضوح في الاجراءات التي تمارسها العصابة الحاكمة، وآخرها استهداف الرمز الديني الاكبر، سماحة آية الله الشيخ عيسى احمد قاسم.
ماذا يعني ذلك؟ ثمة حقائق اساسية ترتبط بهذه التطورات. اولها سقوط خيار الرهان على اصلاح النظام السياسي المؤسس على حكم القبيلة المدعومة من الخارج. فبعد عقود من النضال الوطني الذي تواصل مائة عام تقريبا اصبح واضحا استحالة اصلاح الحكم الخليفي او تطويره ليكون منسجما مع المعايير الدولية. وتجربة الميثاق وما بعدها، ثم المشاركة في المشروع السياسي للديكتاتور، وتجربة الثورة المظفرة وتقرير لجنة بسيوني وما تضمنته من توصيات، كل ذلك اوصل الشعب والمنظمات الدولية المحايدة لنتيجة واحدة: استحالة اصلاح نظام حكم مؤسس على ارضية لا تنسجم معانشاء كيان سياسي مختلف. ثانيهاك ان سياسات الحكم الخليفي خلال السنوات الخمس الماضية اظهرت مشاعرهم الدفينة وكشفتهم للقاصي والداني. ويكفي الاشارة الى ان وزير ديوان الطاغية معروف بطائفيته وحقده على الاغلبية الساحقة من ابناء البحرين، وقد أكد ذلك في قصائده التي نشرها قبل عشرين عاما. هذه التجربة لا تترك مجالا للقول بامكان اصلاح الحكم الخليفي الذي قام حاكمه بالغاء الوثيقة التعاقدية الوحيدة بين شعب البحرين والعصابة الخليفية، متمثلة بدستور 1973. ولوحظ عمق الرفض الخليفي لذلك الدستور، بالاضافة لسياسة التجنيس اللاحقة التي استغلها الديكتاتور لاستقدام "شعب" جديد من الخارج ليحل محل الشعب البحراني الاصيل (بشيعته وسنته). ثالثها: ان الخليفيين توافقوا على هدف واحد: اخلاء البحرين من سكانها الاصليين، وتحويلها لملكية خاصة بهم، واستئصال التاريخ والهوية والثقافة لقطع جذور السكان الاصليين باسلافهم الذين بنوا الحضارة وشيدوا صروح العالم. رابعها: ان الديكتاتور الحالي يمارس سياسة مختلفة تماما عن سياسات اسلافه، فهو يسعى لاقتلاع السكان الاصليين من جذورهم، بتغيير التاريخ والجغرافيا والسياسة وقيم التعامل الاجتماعي بين البشر. فهو الاخطر من الطغاة الخليفيين الذين حكموا البلاد بالنار والحديد، فقد جمع تجارب اسلافه ليفرض سلطته بدون حدود على واقع البلاد ويعيد صياغة مستقبلها. ونظرا لعجزه عن تحقيق الاهداف وحده، خصوصا بعد سقوطه وعصابته بعد شهر واحد من انطلاق الثورة، فقد استعان بالاجانب واستدعاهم لاحتلال البلاد وقتل البحرانيين وسلمهم السيادة التي تخلى عنها، فاصبح عبدا مأمورا لدى الاجانب.
الثورة البحرانية هذه الايام تمر بأخطر منعطفاتها واكثرها تحديا. فبعد رفض التصريح لمركز البحرين لحقوق الانسان بالعمل الحقوقي الرسمي، وحل جمعية العمل الاسلامي ثم المجلس العلمائي واخيرا جمعية الوفاق ومعها جمعيتا التوعية الاسلامية والرسالة، لم يعد هناك حضور رسمي للمكون الاكبر من الشعب. الطاغية استبدل ذلك بالاضطهاد غير المحدود وغير المسبوق، آملا في استئصال المعارضة التاريخية التي شاركت فيها اجيال من السكان الاصليين، من الشيعة والسنة. البلاد باتت تعيش على كف عفريت، ويشعر سكانها انهم بين ان يكونوا او لا يكونوا، وان عليهم التشبث بارضهم وتحريرها من الاحتلال والاستبداد. المطلوب تحرك دولي للضرب بيد من حديد على الخليفيين والسعوديين العابثين بامن البحرين وامن العالم معا. وما سوى ذلك فلن يؤدي الا للمزيد من العنف والارهاب والتخلف.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
https://telegram.me/buratha