معكم يا أهلنا في البحرين والجزيرة العربية

ثورة دلمون السلمية..عقد من الثبات

11376 2021-02-15

 

ضحـى الخالـدي ||

     

    حصلت البحرين على استقلالها في عام 1971، وصدر أول دستور لها في عام 1973 الذي عُطِّل في سنة 1975. كافح الشعب البحريني طويلاً لاستعادة هذا الدستور حتى وُقِّعَ الميثاقُ الوطنيُ بين ملك البحرين (الأمير سابقاً) حمد بن عيسى آل خليفة والمعارضة البحرينية مُقدَّمةً لاسترجاع العمل بهذا الدستور المعطَّل، لكن ملك البحرين ما لبث أن انقلب على هذا الميثاق الذي أسس لاسترجاع دستور 1973 الذي وافق عليه نسبة (98.4%) من الشعب البحريني.

    وبعد عام واحد أي: في عام 2002 أصدر ملك البحرين دستوراً جديداً تحولت بموجبه دولة البحرين إلى مملكة ينفرد فيها الملك بالسلطات، ويمتلك الصلاحيات: التشريعية، التنفيذية، القضائية، السياسية على حساب مجلس النواب والسلطة القضائية؛ من خلال ستة وخمسين مرسوماً ملكياً أصدرها خلال بضعة أشهر من إصدار هذا الدستور مكّنته من الاستحواذ على الصلاحيات كلها في البلاد.

    لا يُسمح في البحرين بتنظيم الأحزاب السياسية، لكن يُطلق على التنظيمات السياسية مسمى (الجمعيات) التي من أبرزها: الوفاق، أمل، إخاء... إلخ، التي عقدت الندوات، وأقامت الفعاليات منذ ظهورها للعلن بعد عقود من العمل السري؛ طلباً للإصلاح الدستوري، والتشريعي، والمؤسساتي في أجهزة الدولة، من خلال التوازن والفصل بين السلطات.

    ربما كانت النظرة الشائعة لدى أوساط الشعب العراقي أنّ شعوب منطقة الخليج -لا سيما الشيعة منهم- تتنعم ببحبوحة من العيش الرغيد، وأجواء من العدالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية!، دون أن يعلموا مثلاً أنّ الغالبية العظمى من شعب البحرين هم من الشيعة، لكن يحرم عليهم الانتماء لأجهزة الأمن، والجيش، والاستخبارات! وأنّ الطلبة الشيعة -مهما حصلوا على معدلات دراسية مرتفعة- فهم لا يتمتعون بالانضمام إلى البعثات الدراسية خارج البلاد! ومع ذلك، لم تكن هناك أي مطالبات طائفية من قبل المعارضة والشارع، لا من خلال المطالبة بتقسيم البلد إلى أقاليم طائفية وعرقية، ولا المطالبة بإزاحة نظام الملك.

    يحتاج مجلس النواب –بالانتخاب- والمجلس التشريعي -المعيّن من قبل الملك- إلى أصوات ثلثي الأعضاء في جلسة مشتركة يرأسها رئيس مجلس الشورى -المعروف بولائه المطلق للملك-؛ لتعديل تشريعاته، فيما يحتكر الملك حق إصدار التشريعات، والقوانين، واللوائح، وتعيين الوزراء والقضاة والدبلوماسيين وعزلهم، ويستولي الملك وعائلته على ثروات وأرض المملكة كيفما شاء، ولا تخضع ميزانيته للمناقشة، ولا يدخل معظمها في الميزانية العامة للبلاد.

    قُدِّمَت عريضة شعبية، وقّع عليها أكثر من (100 ألف مواطن) لممثل الأمين العام للأمم المتحدة عام 2009، لكن دون جدوى. ووصل تدهور الأمور إلى تقسيم مملكة البحرين (40 دائرةً انتخابيةً) متفاوتة في عدد الناخبين؛ في الوقت الذي تتمتع به المحافظة الجنوبية الموالية للملك بتمثيل (6 نواب) مقابل ستة عشر ألف ناخب، فإن ستة عشر ألف ناخب في الدائرة الأولى يمثلهم نائب واحد فقط!! وهذا أحد الأسباب التي جعلت جمعية الوفاق تحصل على (18 مقعداً) انتخابياً فقط من أصل (40 مقعداً) في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2010 رغم حصولها على (64%) من أصوات الناخبين! فتحْتَ أي بند قانوني يمكن تصنيف هذا الترجيح الانتخابي؟

    أدى هذا التعنّت من قبل نظام الحكم البحريني، والصمت الدولي المطبق؛ إلى انشقاقات سياسية من الجمعيات المرخصة، اتجهت نحو تنظيم جمعيات غير مرخصة مثل حركة (حق)، ومع انطلاق شرارة (الربيع العربي) في تونس، ومنها إلى مصر وليبيا واليمن وسورية؛ وصل اللهيب إلى البحرين، وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر موقع فيسبوك احتشد أكثر من (70 ألف) مواطن بحريني شيباً وشُبّانا وشابّات، رجالاً ونساءً في دوار اللؤلؤة في حركة احتجاجية ضمت منظمات المجتمع المدني، والشخصيات والجماهير المهمشة والفقيرة التي غالبيتها من الشيعة الذين يعانون عقوداً من البطالة والحرمان، وشارك في الحراك آلاف ممن لم يسبق لهم المشاركة في العمل السياسي.

    كانت أمسيّات دوار اللؤلؤة اجتماعات لقيادات المعارضة، وجلسات تشاورية، وحلقات دراسية، وندوات، ومناظرات؛ للتأثير على مفاوضات المعارضة مع ولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة وقتها، ولم تكن حفلات راقصة كما شهدنا في ساحة التحرير في بغداد.

    بتاريخ: 16 آذار 2011 وبعد ثلاثة أيام فقط من تقديم ولي العهد مبادرته الطُّعم للحوار مع المعارضة؛ هاجمت قوات درع الجزيرة -المؤلفة من جيوش ستّ دول- دوارَ اللؤلؤة، واستهدفت المحتجين بالرصاص الحي، وبالدعس؛ كاشفةً عن عورة النظام الخليفي ودول مجلس التعاون الخليجي التي تستورد (40%) مما تنتجه أميركا وأوروبا من سلاح؛ لتقتل به أبناء وبنات العرب في البحرين واليمن وسورية والعراق، ولتقاتل إسرائيلَ بالدعاء!.

    أما والآن فقد ظهرت العورة جليّةً بانخراط دول الخليج في دوامة التطبيع تباعاً، وعلى رأسها النظام البحريني، ويتبادر السؤال الأهم هنا: أين كانت قوات درع الجزيرة حين احتل الطاغيةُ المقبور صدام الكويت؟ لماذا استعانت بالتحالف الدولي وهربت أمام قوات الطاغية في معركة الخفجي وغيرها؟!

    ازداد النظام الخليفي تعنّتاً، وازدادت وتيرة العنف والقتل والاعتقال والتمييز الطائفي؛ ففي سجون آل خليفة يقبع أكثر من (500 طفل) بين العاشرة والثالثة عشرة من العمر، وتداهَم المنازل، ويُعتَدى على الأعراض، وتصادَر الأملاك، وتُسلَب الجنسية البحرينية من السكان الأصليين؛ لتُمنح إلى المجنَّسين من الباكستانيين، والسوريين، (والعراقيين من فدائيي صدام المقبور العاملين في أجهزة القمع الخليفية في البحرين)؛ في مؤشر خطير لمحاولة التغيير الديموغرافي لسكان البحرين، في مشهد يذكرنا بأفعال الطاغية في العراق بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حين تُسحب الجنسية العراقية من العراقيين ويُرمونَ على الحدود الإيرانية، وتُمنح للمصريين والأردنيين والفلسطينيين. يا أسفي! بمرور الزمن انحاز كثيرٌ من أبناء وبنات الطائفة السنية البحرينية (الأقلية) إلى موقف النظام الحاكم؛ بما يوفره من امتيازات على أساس طائفي.

    لم يكن تهديم دوار اللؤلؤة من قبل النظام الخليفي إلا خطوة غبية جعلت الثورة تمتد إلى كل محافظة ومدينة وحي وزقاق في البحرين. وتواصل النظام في التعتيم الإعلامي، ومنع القنوات الفضائية العالمية من الاطلاع عن كثب على أوضاع الثورة البحرينية السلمية، وأوضاع المعتقلين والمغيَّبين؛ لذا نلاحظ أنّ أخبار الثورة تصل المتابعين غالباً من خلال الناشطين المقيمين في أوروبا وأميركا وإيران ولبنان، والذين يتواصلون مع أهل البحرين وينقلون ما يحصلون عليه من مقاطع مصوّرة بطرق بدائية، وآلات بسيطة، منها: الهواتف النقالة، والكاميرات غير الاحترافية.

    إنَّ ازدياد الضغط المسلط على أهل البحرين جعل خط الجمعيات غير المرخصة يتطرف في مطالبه إلى إزاحة النظام الحاكم، وتأسيس الجمهورية، وهذا ربما أحد أسباب رفع شعارات مثل (إرحل). فيما بقيت جمعيات المعارضة المرخصة تطالب بالإصلاح السياسي الشامل، وإقامة الملكية الدستورية، والنظام الديموقراطي النيابي دون الدعوة إلى الانقلاب على النظام الحاكم. ثم ماذا؟ سُحِبَ الترخيص من الجمعيات كلها!، وحُكِمَ بالسجن المؤبد على الشيخ علي سلمان (رئيس جمعية الوفاق) في ظروف مشددة!، ولم يُعرَف مصير آلاف المغيبين!، وسُحِبَت الجنسية البحرينية من (سماحة آية الله عيسى قاسم) ومِنْ ثَمَّ نُفِي!، وقد لفتت نظري في خطابه الذي ألقاه في مدينة قم المقدسة ستة محاور؛ مثلت خارطة طريق للمعارضة والشعب البحريني، ربما تتشابه ظروف صدورها الاستثنائية مع مشاهد الإمام الخميني (قده.) وهو يقود الثورة الإسلامية من منفاه في العراق وفرنسا، وحسب فهمي القاصر تمثلت هذه المحاور بما يلي:

أ‌-        الإصرار على استمرار سلمية التظاهرات وعدم الاكتفاء بإطلاق سراح السجناء والمعتقلين؛ لأنهم إنما تعرضوا للسجن والاعتقال نتيجة مسببات قامت من أجلها الحركة الاحتجاجية.

ب‌-      يرى آية الله عيسى قاسم أنَّ الحاكمية للإسلام، ولكن في حال العجز عن إقامة هذا النظام يُصار إلى الاستفتاء الشعبي؛ لاختيار نوع الحكم.

ت‌-      ومن المنطلق السابق؛ المطالبة باستفتاء شعبي لاختيار نظام الحكم.

ث‌-      المطالبة بدستور يحترم إرادة الشعب.

ج‌-      المطالبة بإدارة الأوقاف الجعفرية من قبل الشيعة أنفسهم، وحسب الفقه الجعفري.

ح‌-      إدانة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

    أقول، من الضروري أن لا ننسى أنّ السنوات الست الأولى من عمر الحراك الاحتجاجي البحريني كانت في ظل وجود إدارة ديموقراطية في البيت الأبيض؛ دعمت (الربيع العربي) في تونس ومصر وسورية وليبيا، بل وتدخلت عسكرياً في الأخيرة، وخلقت (داعشَ) فيها وفي سورية والعراق!، فيما انقلبت على ثورة اليمن!، ودعمت العدوان السعودي - الإماراتي عليها، وتجاهلت مع المجتمع الدولي ما يحصل في البحرين!.

        إدارةٌ كان جو بايدن نائباً لها لسنوات لم تحرك ساكناً تجاه القضية البحرينية، وهي غير مستعدة حالياً  للتضحية بالحليف البحريني الذي يضمن لها بقاء قواعدها والقواعد البريطانية على أرض البحرين، والأسطول الخامس الأميركي عند سواحلها؛ لذا فإن أي إدارة أميركية لا يمكن التعويل عليها.

    ربما يذكرنا رفض المجتمع الدولي ترؤس البحرين المجلس العالمي لحقوق الإنسان بوحدة أميركا والدومينيكان إزاء اجتماع الموقف الدولي الرافض تجديد حظر التسليح العسكري على الجمهورية الإسلامية في إيران؛ لكن هذا لا يعني موقفاً حقيقياً مشرّفاً بقدر ما هو موقف دعائي في مواجهة المنظمات الحقوقية في تلك البلدان، وإلا بإمكان هذه الدول وعلى رأسها أميركا أن تدرج رؤوس النظام الخليفي الإرهابي على لائحة الإرهاب التي تضع عليها أكثر من مليون اسم! أليس الأجدر بوزارة الخزانة الأميركية أن تضع أسماء حلفائها من حكام البحرين على لائحة العقوبات؟ خصوصاً وأنهم يمتلكون أرصدةً وأصولاً على الأرض الأميركية!، أو متعلقةً بالمصالح الأميركية حول العالم؛ بدل أن تضع أسماء قادة المقاومة والحشد الشعبي من أمثال السيد حسن نصر الله، والشيخ قيس الخزعلي، والحاج هادي العامري، وليث الخزعلي، وأبو فدك المحمداوي، وفالح الفياض؟!

    حتى اللحظة فإن الثورة البحرينية ملتزمةٌ بسلميتها، وهو اختيار بحريني ناجم عن ظروف تقدرها قيادات الحراك البحريني، ولذلك فإن عوامل قوتها ومنعتها وديمومتها تكمن في وحدة أبنائها وبناتها وطاعتهم لتوجيهات قيادتهم، وتتمظهر هذه القوة التي لا تُقهر من خلال العمق الحضاري لشعب البحرين الممتد لألاف السنين، وانتمائه إلى (حضارة دلمون العريقة)، وتمسُّك شعب البحرين بمنهج أمير المؤمنين -عليه السلام- منذ اكثر من (1400) عام، وهذه عوامل اندكاك تأريخي تُحوِّل الحراك الشعبي لأي أمة إلى قضية وجود، والتعويل في انتصارها حالياً يعتمد على الظروف المحيطة في المنطقة؛ فالسعودية الداعم الأبرز للنظام الخليفي القمعي تعاني من مشكلاتها الخاصة الداخلية والخارجية، فالدور الأميركي في المنطقة ذاهب نحو الأفول، (كورونا) تفتك ببريطانيا واقتصادها، هذا كله يرخي قبضة حاكم البحرين الذي لا يمتلك أي عوامل منعة داخل البحرين العزيزة؛ لكن قوته متأتية من حلفائه الغربيين والخليجيين؛ إلا أنه قبل ذلك ستشتد تلك القبضة بفعل الاحتضار الإسرائيلي، فالكيان الصهيوني المتشبث بوجوده النشاز في المنطقة يعاني في هذه المرحلة من أسوأ كوابيسه، وبمجرد انهياره ستنهار معه هذه الأنظمة العميلة كلها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك