دعا خبراء اقتصاد عراقيون بينهم المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء نوري المالكي، الإثنين، إلى تخلي البنك المركزي عن تبني سياسات نقدية متشددة، لما لها من أثر سلبي على الإقتصاد الوطني متمثلا بتغيير قيمة سعر صرف الدينار الحقيقية والتسبب بعجز في الميزانية العامة.
وقال عبد الحسين العنبكي، المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء، أمام الندوة المتخصصة التي عقدت في بغداد، الإثنين، تحت شعار (الإصلاح الإقتصادي والمالي والإعمار في العراق)، إن "إجراءات البنك المركزي المتشددة إزاء العملة العراقية للحد من كتلتها ورفع سعر صرفها، أدت إلى نتائج مضرة بالإقتصاد العراقي ككل."وأشار العنبكي، خلال إلقائه بحث بعنوان ( آثار السياسة النقدية المتشددة... إلى متى؟) في الندوة، إلى أن "ما قام به البنك المركزي من محاولات لرفع قيمة الدينار، غيرت من حقيقته القيمية في السوق، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الموارد النفطية المقيمة بالدينار."
وأضاف أن ذلك " انعكس سلبا على زيادة نسبة العجز، بالإضافة لتفاقم ظاهرة الاقتصاد الريعي، لأن ارتفاع قيمة الدينار أدى إلى الاعتماد على الصناعات المستوردة أكثر، حيث تبدو السلع المستوردة رخيصة بالنسبة للمستهلك العراقي." وأوضح الخبير الاقتصادي أنه "رغم ارتفاع أسعار النفط ، إلا أن الحقيقة هي أن الدورة الإقتصادية أصبحت تنتهي في خارج القطر"، معتبرا أن المستفيد من ارتفاع العملة العراقية "هم الذين يحولون أرباحهم في الداخل إلى الخارج، وليس العكس."
وقال العنبكي إن السياسة النقدية " لم تعالج ظاهرة التضخم، بدليل ارتفاع نسبته بسبب السلع المستوردة التي ارتفعت أسعارها نظرا لارتفاع أسعار النفط عالميا"، مشددا على أهمية أن تكون السياسة النقدية "محايدة إذا لم تكن قادرة على التماشي مع السياسة المالية، وتقليص فجوة التضارب فيما بينهما."
ودعا أحمد بريهي، نائب محافظ البنك المركزي، الإقتصاديين العراقيين إلى " إعادة دراسة أسباب التضخم"، معتبرا زيادة الإنفاق الحكومي " أحد أسبابه الرئيسية، لأن التوسع في الإنفاق لا يقابله زيادة في الإنتاج."وقال بريهي "على سبيل المثال: كم يحتاج العراق من الأسمنت، وكم بإمكانه أن ينتج منه."
وطالب نائب محافظ البنك المركزي بألا يتم "تحميل البنك وحده مسؤولية ما يحصل في الإقتصاد العراقي"، لافتا إلى أن قيام المركزي برفع سعر الفائدة من أجل السيطرة على حجم السيولة النقدية " أدى إلى أن تأتي إيداعات المصارف إليه، من دون إقراض القطاع الخاص."
وأشار بريهي إلى أن (93%) من إيداعات البنك المركزي "تأتي من مصرفي: الرافدين والرشيد الحكوميان"، وتساءل قائلا " لماذا لا توجه الحكومة مصارفها للإقراض، بدلا من إيداع الأموال لدى البنك المركزي لتعظيم الأرباح..؟."
وعلق الخبير المالي ماجد الصوري على هذا الكلام الأخير بقوله إنه "لا نتائج مرجوة من تعويم سعر صرف الدولار، إذ من الذي سيضمن أن أسعار الفائدة لن ترتفع إلى أكثر مما هي علي اليوم." واعتبر الصوري أن على الجميع " التركيز في كيفية حل المشاكل الآنية، أي كيفية تطوير العملية المالية، والضغط على الدولة في سبيل تفضيل عملية الإنتاج على التجارة، وإيجاد الحلول لتقليص البطالة."
لكن رئيس قسم الإقتصاد في الجامعة المستنصرية أحمد الوزان أبدى تفاؤله بالوضع الإقتصادي، وقال إنه "يتلمس، لأول مرة في العراق، ملامح لبناء سياسة مالية ونقدية بعد أن كان كل شيء بيد الدولة فقط."وذكر الوزان أن مشكلة الإقتصاد العراقي " إنه لايزال تتملكه عقدة سيطرة الحكومة على جميع مفاصله"، مضيفا بأن "زمن الرعاية الأبوية قد انتهى، وحان وقت العمل بحسب دلالات السوق."
ورأى حميد العقابي، رئيس جمعية رجال الأعمال، أن العراق "يقف أمام وضع اقتصادي صعب ودقيق للغاية، ولكنه يمتلك المقومات اللازمة لشغل موقع مهم عالميا." واتفق العقابي في الرأي مع الوزان، في أهمية خروج الإقتصاد من " الرعاية الأبوية"، لكنه رأى أن الحل الأمثل في وضع العراق الراهن هو "صنع مزيج من التعاون بين القطاعين العام والخاص ، وهذا الأمر لن يتم من خلال قوانين الإستثمار فحسب، بل يتعداه إلى تحسين البنية التحتية، والتركيز على تطوير المهارات البشرية وتنميتها، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في العمل."
https://telegram.me/buratha