بقلم جمال سلطان
ما حدث في قضية شركة "هايدلينا" وفضيحة أكياس الدم الفاسدة وغير المطابقة للمواصفات يعطينا نموذجا جديدا على ما أسماه بعض الأصدقاء "الفوضى الهدامة" التي تضرب جنبات مصر هذه الأيام ، حساسية القضية تأتي من أن المتهم الرئيسي فيها هاني سرور ، رئيس الشركة ، هو أحد أقطاب الحزب الوطني ولجنة السياسات التي تدير مصر حاليا بصورة شبه كاملة مع استثناءات أمنية وقومية خاصة ومحدودة ، كما أنه وكيل اللجنة الاقتصادية في البرلمان ، أي أنه صاحب النفوذ والسطوة على مليارات البيزنس النشطة في مصر ، القضية كشفت عنها سيدة مصرية شريفة ، أبى ضميرها عليها أن تتكتم على واقعة فساد يمكن أن تودي بحياة مئات الآلاف من المواطنين الذين يستخدمون هذه الأكياس ، كرة الثلج كبرت في الطريق بعد أن تم تفجير القضية في البرلمان عن طريق النائب حيدر بغدادي ، وعندما كبرت "الفضيحة" اضطر البرلمان إلى إحالة أوراق القضية إلى النيابة العامة للتحقيق ، النيابة طلبت توضيحا من الجهاز المركزي للمحاسبات عن مشروعية عملية توريد الأكياس في صفقة مع وزارة الصحة شابتها التساؤلات ، فأرسل الجهاز تقريرا ضافيا للنيابة كشف فيه عن وقائع فساد كبير في التوريد وخراب ذمم بين الشركة وأصحابها وبين مسئولين في وزارة الصحة ، وقتها أعلن وزير الصحة أنه لن يتوانى عن توقيع الجزاء الرادع على من تورط في هذا الفساد ، ثم أجرت النيابة تحقيقاتها الموسعة مع أطراف القضية ، أوضحت المصادر القضائية أن عدد المستوجبين وصل إلى حوالي ستمائة شخص ، وأن هناك من اعترف صراحة في تحقيقات النيابة بالجرائم المنسوبة إليه وبوقائع الفساد والغش في الشركة وتعاملاتها ، النيابة أيضا شكلت لجانا متخصصة لفحص منتجات الشركة وتقديم التقارير العلمية الشافية فيها وهي لجان مشكلة من خبراء في الصيدلة والهندسة والطب الشرعي ، فجأة بدأت "ألاعيب" شيحة في البرلمان تظهر ، فسمعنا عن تسريب شرائط جنسية للعضو البرلماني الذي فجر القضية في المجلس ، وأن رئيس المجلس أحال الموضوع إلى لجنة القيم ويمكن أن ينتهي الأمر بطرد العضو من المجلس ، وهو مطلب مهم الآن من بعض الجهات التي تعتبر أنه "رأس رمح" لآخرين أرادوا النيل من قيادة هذه الجهة وليس من هاني سرور فقط ، ثم قام وكيل لجنة الصحة بإرسال عدد من الأعضاء لزيارة وكيل اللجنة الاقتصادية في شركته المتهمة ، تناولوا خلالها الشاي والقهوة وتبادلوا النكات والقفشات ، ثم عادوا إلى البرلمان لكي يصدر وكيل اللجنة الصحية بيانا يبرئ فيه شركة وكيل اللجنة الاقتصادية ، ويؤكد على أن شركته ومنتجاتها "مية فل وعشرة" وأنه لا صحة "لما تردد" من أن أكياس الدم غير مطابقة للمواصفات أو أن هناك أي شبهة فساد ، وبذلك وضع النيابة العامة وتحقيقاتها في ورطة حقيقية ، ثم لم تكتف اللجنة بذلك ، وإنما "إيغالا" في الفجاجة طالبت بالاحتفال بوكيل اللجنة الاقتصادية "المتهم" وتوجيه الشكر له ، ثم محاكمة السيدة الفاضلة التي كشفت "الفضيحة" ، كل ذلك يحدث بينما النيابة العامة "المختومة على قفاها" ما زالت تحقق ، والنائب العام أصدر قرارا بمنع وكيل اللجنة الاقتصادية "المتهم" من السفر وإدراجه على قوائم الممنوعين ، واللجان العلمية المتخصصة ما زالت لم تقدم تقريرها العلمي والفني ، وتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات "فص ملح وذاب" ، النيابة العامة التي استشعرت الإهانة والحرج لم تجد ما تقوله سوى أن أصدرت بيانا "مجهول الاسم" تقول فيه أنها "غير معنية" بما أعلنه مجلس الشعب ، كما أنها كانت تتمنى ـ حسب نص البيان ـ أن نقدم "القانوني" على "السياسي" في هذه القضية الشائكة !! ، وما زال في "جراب" الحاوي الكثير الذي ستخرجه الأيام المقبلة للفرجة في بر مصر .
صحيفة مصريون
https://telegram.me/buratha