وبينما كان احمد البلوي ينقل بسيارته الاجرة في مدينة تبوك الواقعة شمال السعودية سيدة تتعدي الخمسين عاما بناء على تكليف من ذويها في مايو الماضي، اعتقله أعضاء "هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" تحت حجة الاختلاء بأجنبية. لكن الرجل الذي ذهب إلى سجن الهيئة في صحة جيدة لم يخرج منها سوى "ملفوفا بكفن" حسب تصريحات لأحد أفراد أسرته. ليست تلك الحادثة سوى واحدة من حوادث أخرى مماثلة أوردتها وسائل الإعلام السعودية في إطار الجدل حول سلوك الهيئة التي تتمتع بصلاحيات واسعة تشمل الرقابة على الأخلاق العامة والخاصة.
فقد توفي مواطن سعودي آخر - سلمان الحريصي - داخل مركز للهيئة في الرياض في نفس الشهر، كما لقيت عاملة آسيوية مصرعها في جدة بعد سقوطها من الطابق الرابع لدى مداهمة الهيئة شقتها. لكن الأمر دخل إلى ساحات القضاء، حيث تم تقديم المتهمين بالمسئولية عن تلك الحوادث للمحاكمة للمرة الأولى في تاريخ الهيئة التي أنشئت عام 1940، بالإضافة إلى الحملات التي تشنها الصحافة المحلية لتحجيم دور الهيئة. لكن شكاوى المواطنين السعوديين من وقوع ما يصفونه "بتجاوزات أخرى" لا تزال مستمرة، حسبما يؤكد معظم من تحدثت معهم من السعوديين. ونشرت صحيفة الوطن السعودية في شهر إبريل الماضي إن ثمة زيادة في عدد المواجهات بين العامة وافراد الهيئة وصلت إلى 21 حادثة في العام الماضي وحده بما فيها مشاجرات عابرة، إطلاق نار، وطعن بالسلاح الأبيض. و هو ما جعل أحمد العمران، وهو طالب جامعي يعيش في الرياض لا يرى في محاكمة بعض أفراد الهيئة سوى "محاولة شكلية لإسكات وسائل الإعلام واحتواء غضب المواطنين." وكان القضاء السعودي برأ ثمانية عشر عضوا من الهيئة من تهمة التسبب في وفاة الحريصي، ووجه المسئولية إلى أحد المتعاونين مع الهيئة الذي شارك في العملية ولم يكلف بذلك رسميا حسب بيان للهيئة بعد الوفاة. فوائد متعددة وان السبب وراء استمرار هيئة الأمر بالمعروف بهذه الصفة الدينية والصلاحيات الواسعة لتكون الوحيدة من نوعها على الأقل في العالم السني الإسلامي ربما هو قوة التيار الديني المتشدد واسع النفوذ داخل الهيئة، والذي كان عنصر دعم رئيسي للعائلة الحاكمة التي تحالفت مع أتباع محمد ابن عبدالوهاب مؤسس الحركة الوهابية للسيطرة على المملكة العربية السعودية التي تأسست في 1932. فالهيئة هي في الأساس "ترتبط مباشرة برئيس الوزراء ويعين رئيسها بأمر ملكي برتبة وزير"، حسب موقع الهيئة على شبكة الانترنت و الذي يشدد في نفس الوقت على أن الدولة هي التي "تحمي عقيدة الإسلام و تطبق الشريعة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر." ومن هذا االمنطلق يرى سعد الفقيه المعارض السعودي المقيم في لندن أن الهيئة ساهمت أيضا في تخلص النظام من معارضيه "تحت زعم مخالفتهم للدين". وان السبب وراء الضغوط لتحجيم هذه الهيئة و الهجوم عليها من قبل الصحف المحلية الخاضعة له؟ المراقب للأوضاع في السنوات الأخيرة قد يرى السبب الرئيس هو الضغوط الخارجية التي أدت إلى إضعاف التيار المتشدد وتشجيع انتقاد المؤسسات التابعة له كالهيئة التي كانت نشاطاتها الممتدة دوما محل جدل. فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تتعرض المملكة لضغوط من الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة مع التيار الديني المتشدد، أو للسير في طريق الإصلاح السياسي أيضا. وبينما يقول الفقيه إن الجدل حول الهيئة متعلق بالصراع بين تيار الإصلاحيين والمتشددين في المملكة، يعتبره آخرون أنه وسيلة لصرف الانتباه عن القيام بإصلاحات أخرى أكثر أهمية.
https://telegram.me/buratha