أفضت تحقيقات أجهزة الأمن الجزائرية مع بعض أفراد «الخلية الانتحارية» التي نفذت تفجيرات «الأربعاء الأسود» التي خلّفت 32 قتيلاً و220 جريحاً، إلى تحديد نواة المجموعة المسلحة التي تنشط تحت اسم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» والتي تولت تخطيط هذه الاعتداءات المسلحة.
وكشفت مراجع مقربة من التحقيق أن التحقيقات الأولية التي قامت بها أجهزة الأمن مع المدعو ر. سمير وهو أحد أفراد المجموعة التي نفذت اعتداءات «الأربعاء الأسود»، مكنت السلطات الجزائرية من التعرف الى الجيل الجديد من الانتحاريين الذين وظفهم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» للقتال في العراق ولكنهم حولهم الى اغراق الجزائر في دوامة العنف والإرهاب. وقد تبين أن سمير التحق بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» أواخر سنة 2006 تحت غطاء دعم المقاومة العراقية.
ولم يلق سمير حتفه في اعتداءات «الأربعاء الأسود» على رغم أن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» قدمه في بيان التبني «غزوة بدر» على أساس أنه أحد الانتحاريين الثلاثة الذين لقوا مصرعهم في هذه التفجيرات التي هزت العاصمة الجزائرية. وكان لافتاً في بيان التبني أن الانتحاريين هم: مروان بودينة (معاذ بن جبل) ومولود حسين بن شهاب (أبو دجانة) ظهرا مكشوفي الوجه في حين ظهر ر.سمير ملثماً.
وقرر سمير عدم تنفيذ العملية الانتحارية ضد مبنى مؤسسة أجنبية في منطقة حيدرة وسط العاصمة الجزائرية في آخر لحظة. وهو كان يقود سيارة سوداء اللون معبئة بـ500 كيلوغرام من المواد المتفجرة، وقد فر واضطر إلى وضع سيارته أمام مبنى قريب من ثكنة للشرطة في حيدرة بعد أن اربكه الهول المرتقب للعملية التي كان سيقدم عليها.
وبمجرد فراره بين شوارع العاصمة الجزائرية المصدومة من هول التفجيرات التي ضربت مبنى قصر الحكومة ومركز الأمن في باب الزوار، أعاد سمير ربط الصلة بالخلية الانتحارية التي وظفته وقد أسندت له مهمة ثانية لا تقل خطورة وهي المساعدة في تنفيذ العملية الانتحارية الثانية التي هزت ثكنة الأخضرية في يوم 11 تموز (يوليو) الماضي والتي خلفت ثمانية قتلى من المجندين ضمن الخدمة الوطنية. وتولى سمير مهمة شراء شاحنة «جاك» التي استعملت في العملية وأيضاً تصوير مشاهد الاعتداء الانتحاري الذي نفذ ضد الثكنة. ولم يبث تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» هذه المشاهد الى الآن
وروى ارهابيونن جدد في تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» تخلوا عن النشاط المسلح أخيراً بعد أسابيع قليلة من التحاقهم بهذا التنظيم، تفاصيل جديدة عن الوضع في معاقل «القاعدة» وقالوا إنهم كانوا مصدومين بعد أن اكتشفوا أن «الجهاد ضد الصليبيين» كان مجرد دعاية لا أساس لها في تفكير التنظيم المسلح وأبجدياته.وأوضح زهير وهو أحد شباب بلدية المحمدية (10 كلم شرق الجزائر العاصمة) إنه التحق بالتنظيم في أواخر عام 2006، ملخصاً قصته في الجبل بالقول: «اكتشفت الحقيقة بعد 15 يوماً فقط من التحاقي بالتنظيم».وأضاف زهير في شهادة يعرضها التلفزيون الجزائري قريباً مع شهادات مسلحين آخرين سلموا أنفسهم للسلطات: «اكتشفت الحقيقة وكانت حقيقة مرة»... كنت أعتقد أنني سألتحق بعد ذلك بالجهاد لنصرة العراقيين ضد الاحتلال الأميركي».
ولم يكن زهير من رواد المساجد قبل العام 2004، لكن بعد هذا التاريخ أصبح كثير التردد برفقة صديقه عبدالحفيظ ط. وهو من شباب براقي، وشباب آخرين، على مسجد «الوفاء بالعهد « في حي «لابروفال» في القبة في العاصمة. وكان الموعد هناك لحضور حلقات يعدها أحد الأئمة المتطوعين بصفة غير رسمية والذي كان يحرض الشباب على الالتحاق بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وأوقف هذا الإمام قبل شهر بتهمة التحريض وعضوية تنظيم مسلح.
وخلال الحلقات الدينية، تعرف الناشطون الجدد الى المدعو ل. عميرات والذي كان التحق بصفوف المقاومة العراقية وعاد إلى الجزائر ليتخصص في عملية ترويج الأقراص المضغوطة التي تخص مشاهد عمليات ضد القوات الأميركية في العراق. ويقول زهير: «كان يطلعنا عليها مراراً قبل أن نقتنع بضرورة دعم إخواننا في العراق في هذه الحرب الصليبية».
وبعد سلسلة عمليات بحث من أجل معرفة الخيط الذي يربطهم بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على أساس أنه استمرار للتنظيم في العراق، تمكن زهير برفقة صديقه من تحقيق أمنيته، إذ بعد فترة قصيرة استدعى المدعو مراد ز. زهير ورفيقه محمد ف. وانتقلا على متن سيارة مستأجرة بصفة غير قانونية إلى غابة تيزي وزو. ويقول زهير: «كان في استقبالنا أشخاص منهم أسامة، والزبير، وأحمد أخذونا إلى مركز عبور وهناك أقمنا 3 أيام قبل نقلنا إلى ما وصفوه بـ «المركز الرئيسي» وتم تجنيدنا في «سرية اليمامة» التي كانت تضم 16 فرداً وأميرها كان يدعى «أبو حذيفة».
وبحسب رواية زهير فإن ما كانوا يتلقونه في «حلقات العلم» في المسجد حول واجب مساندة «الإخوة» في العراق «مجرد أكذوبة». وقال إنه عاش مع رفاقه في الجبل «رهائن الحصار والشك وعدم الثقة». ويضيف: «كانوا يقومون بأشغال شاقة ولا يسمعون قرآناً ولم تكن تعقد حلقات لتثقيفهم في أمور شرعية ولم يكن بيننا أشخاص لهم معرفة بالدين».
وكان معظم المسلحين يقضون وقتهم في متابعة العمليات الانتحارية في العراق، «أما الأجانب الذين تجندوا أيضاً قي تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ومعظمهم يحملون الجنسية التونسية فقد نجح أغلبهم في الفرار فيما يعيش آخرون تحت الحصار».
صدمة الحياة في الجبلبعد فترة أمضاها في الجبل، اكتشف زهير المكنى «عطية»، وجود فرق كبير بين أشرطة الفيديو والأقراص المضغوطة التي كان يشاهدها عن التنظيم المسلح في الجزائر: «كان هناك تناقض في الأفعال ومضامين الأشرطة». وما أثار استياءه وغضبه هو غياب متخصص في الشؤون الشرعية أو ما يعرف بصفة «ضابط شرعي» في التنظيم المسلح: «عندما كنت أستفسر عن مسألة شرعية كانوا يتهربون مني». ويذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً باللهجة العامية: «طلب العلم ما كاين والو» (غير موجود).
زهير الذي كان يتحدث بلغة عربية سليمة والذي لا يخفي تعاطفه مع ما يحدث في العراق وفلسطين، يقدم عرضاً مفصلاً عن المعنويات المتدنية لأفراد التنظيم المسلح: «كانوا يجلسون متفرقين ولم نكن نتحدث وكان الانسجام والترابط غائباً». ويضيف: «لم أشعر أننا إخوة».ويشدد زهير على أنه كان يريد دعم المقاومة في العراق، «لكن أكدوا لي أن الأولوية للجهاد في الجزائر فاكتشفت انحرافهم».
وفي السياق نفسه، وأكد مجبر م. انه سلم نفسه للجيش الجزائري خلال عملية التمشيط التي قام بها لمدة 10 أيام في جبل حارور في مفتاح (35 كلم جنوب العاصمة) وهو ملاحق قضائياً وسبق وأدانته محكمة الجنايات في البليدة (50 كلم جنوب العاصمة) وأمرت بحبسه خمس سنوات لانتمائه الى شبكة دعم وإسناد ارهابية.
ويكشف أنه حاول برفقة جماعة من 12 فرداً في جبل حارور تنشيط الاعتداءات الانتحارية في العاصمة بأمر من «سفيان فصيلة» أمير المنطقة الثانية في التنظيم المسلح، ويشير إلى أن شخصاً ورطه في هذا النشاط يدعى ع. حكيم كان تعرف اليه خلال تواجده في سجن الحراش، والتحق بمعاقل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في منطقة بوخالفة في تيزي وزو وكان لفت بعد تسليم نفسه لأجهزة الأمن الى أنه «لا توجد دولة إسلامية في الجبل» وأن المجندين الجدد يجردون من الهواتف النقالة ومن أي وسائل اتصال ولا يسمح لهم باستعادتها إلا بعد تورطهم في ارتكاب جرائم اغتيالات لقطع طريق التوبة عليهم أو إبلاغهم بالحقائق والوقائع.
ويقول مجبر إن المجندين الجدد يعانون من الجوع والفقر والبرد، ويضيف: «لجأت قيادة التنظيم المسلح بزعامة عبدالمالك درودكال المكنى «أبو مصعب عبدالودود» إلى تجنيد قدماء النشاط المسلح من المتشددين لحراستنا، فكنا تحت الحصار ولا نتحرك إلا بإذن الحارس بحجة تلغيم الطرق... وكانوا يكثرون من بث الأناشيد عندما نشعر باليأس أو يبلغوننا بتنفيذ عملية انتحارية بهدف رفع معنوياتنا ولم يكن يحق لنا الجدل أو المعارضة».واغتنم مجبر أول فرصة وفر في ساعة مبكرة إلى أن وصل إلى خميس الخشنة (20 كلم شرق العاصمة) حيث نقله سائق سيارة إلى مقر الأمن. ويؤكد أن العديد من الأفراد يرغبون في تسليم أنفسهم بعد اكتشافهم الواقع ومعنى الحياة في الجبل
https://telegram.me/buratha