محرقة نهر البارد: افتعلها مجانين الوهابية ومن يقف وراءهم لا يوجد من هو أغبى من الوهابيين في المجال السياسي.
ولا يوجد من هو أكثر منهم تساهلاً في تكفير الآخر.
ولا أكثر منهم استرخاصاً للدم.
وهذه من أهم صفات الخوارج في التاريخ الإسلامي. وكان المسلمون جميعاً يصفون الوهابيين بأنهم (خوارج) فيما كان الأخيرون يصفون أنفسهم بـ (جنود التوحيد) (وجند الإسلام) ويرددون شعارهم في الحرب (هبّت هبوب الجنّة وينك يا باغيها)، وهم يهاجمون خصومهم بدون رحمة، فيقتلونهم كباراً وصغاراً ونساءً، ويجلونهم عن أوطانهم، وينهبون ممتلكاتهم.
لكن من قام بهذا الفعل، وأسس أركان دولته على أساسه: (التكفير، وإباحة القتل للكفار، أي لمن هم غير وهابيين) وجد نفسه في مواجهتهم، أي في مواجهة جيش (جنود التوحيد) و (جند الإسلام) ..(إخوان من أطاع الله)! فعاد ولقبّهم بـ (الخوارج) وقتلهم بتلك التهمة، التي قال جهيمان أنها تهمة يراد منها تخويف (الأرانب) أي المواطنين أنفسهم. وعاد استخدام لفظة (الخوارج) فأطلق على جهيمان وجماعته، ثم على (الصحويين) بداية التسعينيات الميلادية الماضية، ثم على ابن لادن وجيوب القاعدة، وهكذا!
ويبدو أن صفة (الخوارج) والتنظير لها من قبل السلطة وكتابها، لا يراد منه الربط الفكري مع الخوارج القدماء، بل يعني بالتحديد (الخروج على النظام السعودي). بحيث يصبح أن كل من يعترض على النظام قولاً أو فعلاً (خارجياً). لكن هناك قلّة كتبت عن أوجه التشابه بين الفكر الوهابي والفكر الخارجي، وبين منتجات الفكرين من الرجال ومواصفاتهم من حيث التطرف والعنف والتكفير.
المهم، لا يمكن أن يقوم (عاقل) فضلاً عن أن يكون (عاقلاً مسلماً) بمثل ما يقوم به الوهابيون.
أي عقل وأي دين هذا الذي يبيح لأحدهم أن يفجر نفسه في حشد من الناس الأبرياء سواء كان ذلك في أفغانستان أو الرياض أو بغداد أو عمّان.. وسواء كان الضحايا سنّة أم شيعة أم غير مسلمين؟
أي عقل سياسي هذا، الذي لا يفكر في آثار مثل هذه الأفعال استراتيجياً عليه. كيف تستعدي الأكثرية الشيعية في العراق بتفجير الناس في مدارسهم وأسواقهم ومساجدهم. والأسوأ كيف لعاقل يفقه في السياسة أن يفجّر السنّة العرب كما السنّة الأتراك، في حين أن السنّة العرب بالذات يشكلون الحاضنة للقاعدة؟!
انظر الى السذاجة التي يفسر بها زعيم القاعدة في العراق (ابو حمزة المهاجر) الأمر.. لقد قال في كلام مطول حول خلافه مع جمهور السنة العرب: (ألا تريدون أن نحكمكم بالإسلام)؟! فهو يبدي استغرابه وجهله: لماذا يكرهنا المسلمون السنّة؟! لقد حولت القاعدة العراق مرتعاً للعنف والحرب الأهلية، بين الشيعة والسنة، ثم بين السنّة والسنّة، ثم بين السنّة والقاعدة وأتباعها؟
الحريري استثمار النار هلاك! الوهابيون لا يفقهون في السياسة، بل هم ـ من خلال أفعالهم وما ينشر من تحليلاتهم ـ أجهل الجماعات والحركات التي ظهرت في هذا القرن. ربما يكون السبب دخولهم المتأخر فيها، وربما لتوسع دائرة المؤامرة في عقولهم، ولربما بسبب أن تحليلاتهم ليست سياسية بل عقدية/ تاريخية صبّت في قالب طائفي يتعامى عن الوقائع. ولربما هناك سبب غير هذا، وهو أنهم بعقليتهم المتطرفة يقسمون الناس الى فسطاطين، وبالتالي لا مكان فيه للسياسة، بل للأيديولوجيا، والأيديولوجيا ليست متسامحة، وبالتالي تضيف لمعتنقها مبررات تحويل المتعاطفين مع الوهابيين الى أعداء حقيقيين، كما حدث في الجزائر والسعودية والأردن ولبنان والعراق وأفغانستان وغيرها.
لأحد هذه الأسباب أو كلها، صارت فلول الوهابيين أسهل للإستثمار السياسي، فهم قوة جاهلة متعصبة مجنونة لا تعي عصرها ولا تفهم أولوياتها، وتضع أهدافها الصغيرة والكبيرة على قدم المساواة من حيث الأهمية، وتتعامل مع المختلف كما المخالف في الأمر التافه كما في الأمر الكبير على حد سواء. لا غرابة إذن أن يركب فلول الوهابيين المستثمرون السياسيون. فعل ذلك آل سعود ولازالوا، وفعل ذلك الأميركيون في أفغانستان أثناء حرب الشيوعية، وفعلها الحريري مؤخراً في لبنان مع فتح الإسلام، ولربما فعل الأمر ذاته السوريون والجزائريون وغيرهم.
فالمجنون للقتال! هذا ليس قولنا، بل هو قول أمين الريحاني كتبه في بداية العشرينيات الميلادية حين زار ابن سعود في الرياض. قال بالتحديد في كتابه (ملوك العرب): (إن عنده ـ أي عند ابن سعود ـ لكلّ من الإخوان وظيفة ومقاماً: المعتدل للخدمة، والمتساهل للتجارة والسياسة، والمجنون للقتال). ولقد دفع ال سعود بالمجانين الوهابيين ثانية للقتال، ولكن في أفغانستان، ثم لما رأوا أن لديهم مشكلة مع إيران: وجهوا جهود متطرفيهم ومجانينهم اليها، ثم الى العراق حالياً بدعم من سلطان والجناح السديري، ثم الى لبنان على يد بندر.
السذاجة السياسية المفرطة، مترافقة مع التعصّب الأعمى، واعتماد الأدلجة أساساً للتحليل، كانت الأساس في جعل الحركات العنفية الوهابية ـ رغم تواصلها في المدى الزمني ـ بمثابة نار سريعة الإشتعال، ولكن سريعة الإنطفاء أيضاً. وهنا نود أن نشير الى طبيعة العقلية الوهابية المجنونة الجاهلة والمتعصبة من خلال تداعيات أحداث (فتح الإسلام). فالجميع أدرك الآن ـ وفي مقدمتهم الضحايا الوهابيون بمختلف توجهاتهم القطرية ـ أنه تم الضحك عليهم من قبل الممول الحريري، وقد كشفوا بأنفسهم في تصريحاتهم عن (الخديعة) التي تعرضوا لها. وحين قبض على عدد منهم، وجرى التحقيق معهم، كان مذهلاً ضحالة تحليلهم السياسي. تلك التحقيقات وصلت للأميركيين والسعوديين والفرنسيين، وبالضرورة الى الصحافة. فكان هؤلاء المجانين قد جرى (تسمينهم) لخوض حرب مع حزب الله، وليس مع إسرائيل، ولكن الخلفية السياسية وراء تشكلهم، جعلت مسؤولين في الخارج الفرنسية ممن اطلعوا على التحقيقات ـ حسبما نشر في الصحف/ الحقيقة الفرنسية ـ جعلتهم ينقلبون على أقفيتهم من الضحك.
ماذا قال المجانين تعصباً، والجاهلون سياسة؟
معظم المعتقلين أدلوا باعترافات تؤكد أنهم جاؤوا إلى لبنان لمقاتلة حزب الله (الرافضي) و (المشروع الشيعي الإيراني) و (إحباط الإتفاق السرّي بين حزب الله وإسرائيل لحماية حدودها الشمالية)! فهل هذا تحليل عقدي أم سياسي؟ إنه يكشف عن حقيقة أن التعصب الطائفي يعمي عن الحقيقة، وهذا النوع من الإعترافات يعتبر بمثابة فضيحة للوهابيين ومن يمولهم، الى حد أن مصدر فرنسي وثيق الصلة بقسم الشؤون السورية ـ اللبنانية في الخارجية الفرنسية تحدّى الحكومة اللبنانية (أن تتجرّأ على نشر الاعترافات الكاملة لمعتقلي عصابة فتح الإسلام من أصحاب الجنسيات العربية). ربما لأن ذلك يفضح دور السعودية ـ الأمير بندر، ودور سعد الحريري في تمويل المجموعة.
بندر: أشعل الحريق في لبنان ولازال يغذيه واشار المسؤول الفرنسي: (بعض الاعترافات تشي بضحالة ثقافية وسياسية مذهلة، تجعلك محتاراً فيما إذا كان عليك أن ترثي لحال هؤلاء، أم تنقلب على قفاك من الضحك. فأحد المعتقلين السعوديين أفاد التحقيق بأنه جاء إلى لبنان لمقاتلة حزب الله، الذي أبرم إتفاقية سرية مع إسرائيل، تقضي بافتعال حرب الصيف الماضي من أجل استقدام قوات الأمم المتحدة، لحماية الحدود الشمالية لإسرائيل). وثمة معتقل آخر (يحمل الجنسية السعودية أيضاً، قال في التحقيق مع الأمن اللبناني، إنه متأكد من أن حزب الله اتفق خلال الحرب مع إسرائيل على أن يطلق صواريخه باتجاه أماكن خالية في إسرائيل لكي لا تتسبب في الأذى، و طلب من الإسرائيليين تدمير ما أمكنها من منشآت في لبنان، لأن السنّة هم من سيخسر في إعادة إعمارها).
وقال المسؤول الفرنسي: (حين قرأنا محاضر التحقيق الأولية التي وصلتنا من بيروت، دخلت وزملائي في نوبة ضحك هستيرية، لنكتشف بعد قليل أن هؤلاء يستحقون الرثاء والعلاج النفسي أكثر من أي شيء آخر. فلديهم حالات مرضية ذهانية نموذجية تصلح للدراسة، وللأسف إن الاختصاصيين في الإرهاب لم يولوا هذا الجانب أي اهتمام).
المسؤول الفرنسي وصف في سياق متصل رئيس الوزراء اللبناني وحكومته، بأنهم مجموعة من (الدجّالين) و (المعتوهين).. مضيفاً: (لقد اتفقوا مع الأمير بندر بن سلطان على الإعلان عن أن السعوديين الذي اعتقلوا في نهر البارد، سلّموا أنفسهم قبل اندلاع المواجهات) في حين أن السفير السعودي كان أول من أعلن عن مقتل أربعة سعوديين في مواجهات نهر البارد واعتقال آخرين. وتساءل المصدر نقلاً عن المسؤول الفرنسي: (هل وصل غباء السنيورة إلى حد أن يطلق تصريحاً من هذا النوع بعد ساعات على تصريح السفير السعودي؟ أو لم يقرأ أو يسمع الأخبار؟ كيف يصل بهم الأمر إلى حد نفي ما قاله السفير السعودي؟).
وكان الصحفي اللبناني وليد شقير، مراسل صحيفة الحياة الممولة من السعودية، والذي يعمل مع أوساط الأمير بندر بن سلطان وأجهزته الأمنية، كان أول من أنكر وجود قتلى أو معتقلين سعوديين على خلفية أحداث نهر البارد. وتبعه في النفي وزير الداخلية السعودي نفسه. وهذا ما جعل الفرنسيين يتأكدون من (وجود مجموعتين سعوديتين تعملان في لبنان بمعزل عن بعضهما البعض، إحداهما تمثل الحكومة رسميا، والثانية تعمل مع بندر وتتواطأ مع الحكومة وأجهزتها والصحفيين الملحقين بهم لترويج الأكاذيب والأخبار في كل من صحيفتي الحياة والشرق الأوسط السعوديتين الصادرتين في لندن).
ويبقى أن هناك بعض الجهلة من السياسيين، الذين يغريهم استثمار الوهابية ضد خصومهم السياسيين، فإنهم بجهلهم لطبيعة الفكر الوهابي، تنقلب الدائرة عليهم. هذا ما حصل ويحصل مع آل سعود؛ وهذا ما حصل للأفغان الذين ذُبحوا على يد القاعدة، وهو ما حصل للسنّة في العراق، وهو ذات الأمر ما حدث مع فتح الإسلام التي انقلبت على صانعيها. فمن يريد أن يستثمر النار ويجلبها الى منزله؟!
https://telegram.me/buratha