جمران والامام الخميني.. بساطة مكان وعظمة إنسان
عادل الجبوريمن شارع جمران شمالي العاصمة الايرانية طهران، يتفرع شارع ـ او زقاق ضيق ـ استمد تسميته من اسم احد الشهداء من ابناء المحلة هو حميد حسني كيا. في ذلك الزقاق، مكان في غاية البساطة يختزل حقبة تاريخية مهمة من مسيرة الثورة الاسلامية في إيران، ويروي قصة شخصية عظيمة قادت واحداً من أبرز التحولات في النصف الثاني من القرن العشرين، تلك الشخصية العظيمة تمثلت بآية الله العظمى الامام الخميني(قدس سره).ما قصة ذلك المكان البسيط المتواضع؟ وكيف اقترن بتلك الشخصية العظيمة، وبات رمزاً ومعلماً من رموز ومعالم الثورة بعد انتصارها التاريخي المدوي في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة وثلاثين عاما؟بساطة مكانفي ذلك الزقاق الضيق الصغير، تقع حسينية جمران التي كانت ملتقى لمختلف فئات وشرائح الشعب الايراني وحتى الاجانب مع الإمام الخميني، والداخل إليها يتشعر لأول وهلة ببساطة وتواضع بنائها وعمارتها رغم مساحتها التي تبلغ 350 متراً مربعاً.إلى الجهة الشمالية توجد شرفة داخلية صغيرة نوعا ما، تشتمل على كرسي عادي جداً كان الامام الخميني يجلس عليه، وفرش أرضية كان يجلس عليها مساعدي الإمام والمقربين منه، وكانت تستبدل في بعض الاحيان بكراسي صغيرة بحسب المتطلبات والضرورات ، وخلف الحسينية، ومن تلك الجهة كان المنزل الصغير المتواضع الذي قضى فيه الإمام الخميني مع عائلته العقد الأخير من عمره وهو يقود الثورة الاسلامية في أعقد وأخطر الظروف والمصاعب والتحديات.ينقل المطلعون على جوانب من تفاصيل حياة الامام الخميني، انه رفض أن يقيم في أي مكان تعود ملكيته الى الدولة، وذلك البيت الذي أقام فيه عشرة اعوام كان يعود الى حجة الاسلام والمسلمين الشيخ مهدي جمران، وقد رفض الإمام ان يقيم فيه مجاناً، حيث كان يدفع ايجاراً شهرياً لصاحب المنزل مقداره ثمانية الاف ريال، وهو مبلغ غير قليل في ذلك الوقت.كل من شاهد ذلك المنزل بعد وفاة الامام الخميني، كان يصاب بالدهشة والذهول، ويتساءل، "هل فعلاً ان ذلك الشخص العظيم كان يقيم في هذا المكان البسيط المتواضع ويدير شؤون الدولة والبلاد منه؟".في كتاب "لمحات من حياة وجهاد الامام الخميني" يقول الكاتب "لقد دهش الصحافيون الأجانب ومراسلو وكالات الانباء العالمية الذين سمح لهم بعد رحيل الامام بزيارة محل اقامة سماحته. دهشوا لمشاهدتهم البيت المتواضع ووسائل المعيشة البسيطة لقائد الثورة الاسلامية الكبير، وان مارأوه لا يمكن مقارنته بأي وجه من نمط حياة رؤساء البلدان والزعماء السياسيين والدينيين في عالم اليوم. ان اسلوب حياته وبساطة معيشته يعيدان الى الاذهان الصورة التي كانت عليها حياة الانبياء والاولياء الصالحين".
يتألف البيت الذي كان يقطنه الامام وعائلته من غرفتين ومطبخ صغير وممر ضيق، وباحتين صغيرتين واحدة امامية والاخرى خلفية، وعبر الباحة الامامية تم ايصال البيت بالحسينية عبر ممر مؤقت لتيسير حركة الامام بينهما. وبعد رحيل الامام، أدرج البيت في قائمة الآثار الثقافية ـ التراثية الايرانية، وأصبح مزاراً يؤمه السياح والباحثون والكتاب والمفكرون.مرسم جمرانوتحت حسينية جمران وعلى مساحة تمتد الى 360 متراً مربعاً، يوجد "مرسم جمران" الذي يضم مجموعة كبيرة من الصور والوثائق والمخطوطات التي تؤرخ لجانب من سيرة وجهاد الإمام الخميني.المرسم افتتح قبل ثلاثة عشر عاما، من قبل الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، وهو يتألف من مجموعة من الصالات والممرات الطويلة المفتوحة على بعضها البعض، وتتوزع على جدرانها عشرات الصور للإمام الخميني خلال مرحلة ماقبل الثورة وما بعدها، مع تعليقات وتوضيحات مقتضبة باللغات الفارسية والعربية والانجليزية.
وتتولى مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني مسؤولية الإشراف وادارة حسينية جمران وبيت الإمام ومرسم جمران، ومرقد الامام الخميني الذي يقع جنوب العاصمة طهران قرب مقبرة بهشت زهراء(جنة الزهراء)، وقد تأسست تلك المؤسسة بعد رحيل الامام وأوكلت إدارتها لنجل الامام المرحوم حجة الاسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني الذي وافته المنيّة في السابع عشر من شهر اذار/مارس عام 1994 اثر أزمة قلبية مفاجئة، ليتولى نجله حجة الاسلام والمسلمين السيد حسن الخميني مهمة الاشراف على عمل المؤسسة بمختلف مفاصلها.
عظمة انسان في مقابل بساطة المكان(جمران) تبرز جلية وواضحة عظمة الامام الخميني، وعظمته تكمن في بساطته وتواضعه وتضحيته وجهاده وشجاعته ومبدأيته. فهو الذي وقف بوجه واحد من أبرز واشرس طغاة عصره، في وقت كان يحظى ذلك الطاغية بشتى أنواع الدعم والاسناد الدولي والاقليمي، ويمتلك كل أساليب البطش والقمع والاستبداد، ويقود نضال الشعب الايراني على امتداد عقدين من الزمن ليتكلل بانتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه بعدما تعرض للاعتقال والمطاردة والنفي والتهجير لاعوام طويلة، ولتبدأ مرحلة جديدة من النضال والجهاد تخللتها تحديات كبرى ومؤامرات خطيرة ومخططات شائكة ومعقدة، كانت عناوينها الاغتيالات والحروب العسكرية والحملات الاعلامية والخداع والتضليل، وبدلا من أن تفشل الثورة وتعود عقارب الساعة الى الوراء، فإنها اثبتت ان الارادات الصادقة والاهداف الخيرة هي التي تنتصر في نهاية المطاف مهما كانت قوة وامكانية الطرف الاخر.
ولعل عظمة الامام الخميني لم تتجل في ادواره ومواقفه السياسية والجهادية فحسب، وانما تجلت من خلال مكانته الفكرية التي ترجمتها عشرات المؤلفات القيمة في مختلف الجوانب الدينية والفكرية والثقافية والسياسية، والتي جعلته دائم الحضور حتى بعد رحيله في مختلف ميادين العلم والمعرفة، حيث يضم ارشيف مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني في الوقت الحاضر 1126 خطابا و470 حكما و367 رسالة موجهة الى شخصيات سياسية ودينية اجنبية ، و420 رسالة موجهة الى شخصيات ايرانية و 350 بيانا، وبحسب مسؤولين ايرانيين ان تلك المجاميع سوف ترى النور على مراحل في اطار مجموعة كاملة تحت عنوان "الكوثر".اضف الى ذلك فإن المجموعة المؤلفة من 22 جزءا تحت عنوان "صحيفة النور" مضافا اليها كتاب "مفتاح الصحيفة"ـ وهوعبارة عن فهرس لاجزائها الاثنين والعشرين ـ اشمل مجموعة صدرت حتى الآن احتوت على احاديث الامام الخميني وبياناته واحكامه ورسائله
https://telegram.me/buratha