الصفحة الإسلامية

بين خديجة وعبد مناف ورمضان... قصة إيمان

1706 00:33:00 2012-07-26

حيدر محمد الوائلي

في العاشر من رمضان في السنة العاشرة لبعثة النبي محمد (ص) وقبل الهجرة بثلاث سنوات في شِعب أبي طالب حيث القهر والمعاناة والحصار...طارت حمامات الروح لروحٍ تركت لذة الدنيا وزينتها لوغدٍ أحرق الأخضر واليابس ليتلذذ بها فخسر بعدها خسراناً مبينا، فالخير كل الخير للصابرين وليتنعم الأوغاد بملذاتها وحطامها حتى حين...قصة امرأةً تركت التجارة والأموال وإيلاف قريش وقوافل الشتاء والصيف، لتعبد رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف...رحلت من دنيا المعاناة والقهر أم المؤمنين خديجة وعمرها (65) سنة بعد شباب التجارة والخير الوفير، فضحت به وبمالها ومكانتها للعزيز القدير...

تزوجها النبي محمد (ص) وعمره خمس وعشرين سنة وعمرها أربعين، أي أنها قضت (25) سنة في معاناة وقهر ومحاربة قريش لها لزواجها من يتيمٍ فقيرٍ نبيٍ أتى برسالة تنصر الله بالعقل والعدل محارباً الجهل والظلم وهي سيدة نساء العرب ومن كبار تجارها وحملة رؤوس أموالها...في عام من أعوام الضيم والقهر وحصارٍ دام سنوات...طارت حمامات الروح بيضاء من غير سوءٍ مغادرة أرضاً مُلِئَت قيحاً ودماً وظلاماً ونتانة من فعال الناس وظلم بعضهم بعضاً...رحلت تلك الروح النقية التي لا مكان لها بأرض الجاهلية لتسكن جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت لها ولأمثالها...رحلت فحزن النبي محمد (ص) حزناً شديداً لفقدها وقبل أيام لفّه الحزن أيضاً بفقد حاميه وناصره عند الشدائد والضيق عمه عبد مناف (أبي طالب)...كلاهما رحلا في أسبوعٍ واحدٍ، فيا له من وقعٍ عظيم وأسبوعٍ حزين...سمى الرسول (ص) العام الذي فيه ذلك الأسبوع الذي فقدهم فيه عام الحزن، لا أسبوع الحزن ولا شهره...!! والله يقول واصفاً رسوله: (وما ينطقُ عن الهوى # إن هو إلَّا وحيٌ يُوحى) (اية3-4/سورة النجم) .

قصة امرأة ثرية وتملك من الأموال ما تغرق به مدن بأكملها، ولكنها تضحي بهِ من أجل دينٍ جديد، وعقيدةٍ جديدة، وإيمانٍ جديد، قد حاربه كل بطون القبائل وكبرائها، وحاربه أهل الجاه والتجارة، ففدت السيدة خديجة تجارتها ومالها وصحتها ومن ثم روحها لأجل عقيدة لم يعتنقها سوى المظلومين والمسحوقين والفقراء، فكانت أسبقهم لها...

لو كان ربع نصف ربع ما لخديجة من ثروة ومكانة اجتماعية عند المتدينين اليوم وعرفوا بفكر جديدٍ وعقيدة جديدة صحيحة تخالف عقيدتهم الموروثة فهل سيتركون الإرث الفكري والعقائدي الذي ورثوه لأجل الإيمان بفكرٍ جديدٍ يخالف الفكر الموروث عن الآباء والأجداد...؟!وهل سيبذلون كل أموالهم عليه...؟!وهل سيضحون بصحتهم وجهدهم ويتحملون الجوع والضيق والحر والفقر والمرض والعذاب والحصار والقطيعة ومحاربة بطون وكبراء الفكر القديم الموروث...؟!وهل سيتواصلون ويدعون بهذه الفكرة والعقيدة الجديدة رغم صحتها وسلامتها ولكن عيبها أنها تخالف العقيدة الموروثة...؟!أم سيتساقطون الواحد تلو الأخر، فلقد ألفوا آبائهم عليها عاكفون، كما اليوم الذي أصبح فيه الدين والعقيدة والطائفة تورث وراثة عن الآباء والأجداد ويتم أخذ الدين على إنه موروث لا فكر يُدرس ويُنقح وينظر به طويلاً للتأكد منه...!!

قصة امرأة قدسية، جمعت بين قدسيتها وموقفها فكانت من النساء الأربع اللاتي فضلهن الله على نساء العالمين أجمع، حيث يقول واصفاً إياهن النبي الأمين محمد (ص) قائلاً: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع)، فكانت أولهن آسيا زوجة الطاغية فرعون والتي أخفت إيمانها، وثانيهن مريم بنت عمران أم النبي عيسى السيدة الطاهرة النقية، وكانت خديجة زوجة النبي محمد (ص) ثالثتهن، لتلد العظيمة الثالثة أفضلهن وأكملهن وسيدتهن وهي سيدة نساء العالمين في الدنيا والآخرة تلك هي فاطمة الزهراء...

زوجة مخلصة بما يحمله الإخلاص من معنى الحب والوفاء، لا حب التصنع والرياء ومنيّة وتثاقل بل حب حقيقي... وهل الإخلاص إلا حبٌ ووفاء...؟!

زوجة جادت بنفسها وصحتها وراحتها لأجل زوجها والله من وراء زوجها والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ...!! فكيف لو تجاوز الجود بالنفس جوداً بالمال والثروة وتحمل حرب الأقارب والأصحاب والجيران وحصار وقطيعة سنينٍ طوال...!!

في عصرٍ كانت المرأة توأد وتدفن حية، وإذا بُشِر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم... وفي عصر يحتقر المرأة ويحط من شأنها ويهينها رجال ذوي شوارب نتنة راب عليها اللبن ليالٍ حيث كانوا ينامون واللبن والخمر وبقايا الطعام والشراب تغطي تلك الشوارب النتنة التي لا يغسلوها لسكرهم وعربدتهم ونتانتهم، حتى شرفهم الله برسول الإسلام والأيمان، والنظافة من الأيمان...

في تلك الأيام جاءت رسالة لتنصر المرأة، وأول من ينصر ويؤمن بهذه الرسالة امرأة... والله أراد لهذه المرأة أن تشرف التاريخ وتشرف المكان والزمان والظرف وتشرف نساء العالمين وتبدل وأد النساء برفعة السماء، وليصل بفضلها صرخة الحق للخافقين، فكان بها أحد عوامل كمال البعثة والرسالة التي لم تكتمل إلا بثلاث كما قال الرسول الأكرم محمد (ص) فيما مضمونه: (نصرة أبي طالب، وسيف علي، وأموال خديجة)...

في أسبوعٍ واحدٍ فقد رسول الله أكبر دعامتين أعتمد عليهما في رسالته الإسلامية، في السادس من رمضان توفي عمه وناصره وأحد كبار صحابته عبد مناف (أبو طالب)، وفي العاشر منه توفيت مؤنسته ومن تشد أزره وتواسيه أم المؤمنين خديجة.أبو طالب (رض) حامي الرسول الأكرم من مشركي قريش، الذين عجزوا عن التصدي للرسول القائد (ص) لعلمهم أن أبا طالب شيخ البطحاء يحول دون ذلك، فهو كان رجلا مرهوب الجانب ذا سطوة ونفوذ، وليس في بني هاشم وحدهم بل في قبائل مكة كلها.

كان أبو طالب (رض) سند الدعوة وجدارها الشامخ الذي تستند إليه، ومن اجل ذلك سلكت قريش أسلوب التفاوض والمساومة مع الدعوة والرسالة في شخص الرسول (ص) مرة وفي شخص أبي طالب مرة أخرى.تحاوره بشأن الدعوة طالبة منه أن يستخدم نفوذه بالضغط عليه لترك رسالته وتهدده باحتدام الصراع بينه وبين قريش كلها إذا لم يخلّ بينهم وبين رسول الله (ص) ويكف عن إسناده له. غير إن أبا طالب كان يعلن إصراره على التزام جانب الرسول الأكرم (ص) والذود عنه مهما غلا الثمن وعظمت التضحيات، حتى عاش معه في الشِعب الذي سمي بأسمه (شِعب أبي طالب) تحت الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته قريش، وللأهمية البالغة التي احتلها أبو طالب في سير الحركة التاريخية لدعوة الله تعالى صرح رسول الله (ص) بفضله قائلاً (ص): (مازالت قريش كاعّة عنيّ حتى مات أبو طالب)، فأي حسرة حلّت بالرسول (ص) حين قال ذلك وأي ألم...!!وبذلك فجع الإسلام بفقد مؤمن قريشٍ أبي طالب، لتزداد الفجيعة فجيعة أخرى كبيرة بفقد أم المؤمنين خديجة...

هذه هي خديجة بنت خويلد، ناصرة الرسول يوم لا ناصر له ولا معين من بطون العرب وشعبها إلا القليل...امرأة استغنت عن الراحة وحلاوة الدنيا والثروة الكبيرة من أجل دين الله ووفاءاً منها لزوجها رسول الله...

وإن تكن النساء كمثل هذي ... لفضلت النساء على الرجالِفما التأنيث لأسم الشمس عارٌ ... ولا التذكير فخراً للهلالِ

امرأة كان كلما يتذكرها الرسول سالت دموعه حزناً لفقدها وهل يبكي الرسول على أي شخص...؟!زوجة صالحة ولتسمع زوجات اليوم ويتعلمن منها إحترام الزوج ومودته وتقديره ونصرته ومواساته، يقول فيها (ص): (والله لقد آمنت بِي إذ كذّبني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس).

نزل جبرائيل على الرسول في أحد الأيام لا لأجل تبليغه بتشريع سماوي، أو لأجل الدعوة أو لأجل نزول آية قرآنية، بل لأجل تشريع سماوي ودعوة وآية قرآنية ولكن من نوع آخر...أتى جبرائيل النبي (ص) فقال له: (هذه خديجة أتتك...، فاقرأ عليها السّلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيتٍ في الجنة من قصبٍ، لا صخب فيه ولا نَصب)...الله وجبرائيل يُسلمان على خديجة...!!

واليوم...!!ها هو اليوم قبرها مهملاً متروكاً من قبل مالكي شعاب مكة ورجال دينها، وأهل مكة أدرى بشعابها...!!بعد أن كان قبرها قبراً مهيباً تعلوه قبة شماء عالية حتى العام (1924) من القرن العشرين الميلادي، ليهدموه بفتوى صدرت من علماء السلطة التي أستحوذ عليها عائلة آل سعود (وكل من قرأ التاريخ يعرف كيف...؟!) وكانوا ولازالوا يحكمون ويتحكمون ببيت الله العتيق بسياستهم وبفتاوى رجال دينهم متناسين ومتجاهلين ومخالفين الملايين من المسلمين ممن يخالفونهم بالفكر والعقيدة ممن يقدسون ويحترمون ويتبركون لله بتلك القبور، ويتذكرون بها أمجاد التاريخ لتلهمهم بناء حاضرٍ أفضل لمستقبلِ أفضل وأفضل، فهي آثار وذكرى مجيدة لتاريخٍ مجيد...

لم يكفهم ذلك فهدموا قبور أولياء الله وأصحاب الرسول وأهل بيته في مكة والمدينة وغيرها، والغريب أنهم تركوا قبر الرسول (ص) وقبر أبي بكر وعمر عن يمينه ويساره دون هدمه...؟!ربما خافوا من فعل ذلك لبروز قبر النبي عن غيره، فستحصل ثورة ضدهم لو فعلوا ذلك يومها، أو اليوم...!!أنظروا كيف غيروا ما بدين الإسلام من سماحة وتعايش ومودة مع من هم ليسوا مسلمين أصلاً إلى حكم التطرف والهدم والتفجير وحكم الرأي الواحد بالغصب والجبر والإكراه، رغم صراحة قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين)...!!

هدموا قبر أم المؤمنين خديجة، فصعدت حمامات روحها مرة أخرى إلى السماء فملأت السماء نوراً وكبرياء العظماء...يا رب... أتوجه إليك بحق أم المؤمنين خديجة وبحق عم رسولك أبو طالب وأقول: يا سيدتي ويا سيدي... إنا توجهنا واستشفعنا بكما وقدمناكما بين يدي حاجاتنا...يا وجيهين عن الله، أشفعا لنا عن الله...وأسأل الله بحقكما وهو عظيمٍ عنده، أن يلهمنا صبركما العظيم، وإيمانكما النقي، وإخلاصكما الطاهر في كل الأمور مهما صعبت واشتدت...

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو علي
2012-07-26
عمر السيدة خديجة عليها السلام عندما تزوجت رسول الله ص كان 25 عاما او 28 عاما اما كون عمرها 40 عام فهذا من الكذب و التزوير الاموي للتاريخ مع الاسف . ليومنا هذا . فأن الكثير من المسلمين لا يعرفون هذه الحقيقة كما انهم لا يعلمون انها كانت عذراء طاهرة لم تتزوج قبل رسول الله ص بأحد . فحاشا لهذه الطاهرة ان تكون زوجة يوما ما لأحد كفار قريش لقد حفظها الله و ادخرها لتكون زوجة لسيد البشر . و لتكن اما لسيدة نساء العالمين فطمة بنت محمد عليها الصلاة و السلام
كلمة
2012-07-26
طرح جميل اثابكم الله
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك