الصفحة الإسلامية

فرارٌ قبل الوداع....بقلم الأستاذ: عبدالعزيز حسن آل زايد * كاتب من أحرار الحجاز

1628 08:21:00 2012-08-17

 

 

(ليلة العيد) تقترب منا مع كل نبضة قلب ونحن نلوح بالأيدي مودعين هذا الشهر الذي آذن بالرحيل، ها هو يحزم حقائبه بخطوات متعجلة تؤلم العاشقين، فلحظات الوداع تحرق القلوب : " لا تذهب عنا يا شهر الصيام"، لكنه أشاح بصره وأدار وجهه الكريم وقمره المضيء أوشك على الأفول والغياب، هذا هلال الانقضاء يستعد بزوغه و(الشقي من حُرم غفران الله)، فهل من مغتنم قبل الوداع؟!

"لا تذهب يا شهر الغفران" كلماتٌ وتأوهات لا تُسمع فـ (قطار الرحيل) تقترب صفارته ودقائق الخير فائقة السرعة وفي أواخره تتجافى جنوب المخلصين عن مضاجعهم ويطوي الرسول (صلى الله عليه وآله) فراشه ليطيل سجوده ويتعلق بواحة القدس، وملاحقة آيات القرآن واقتفاء آثار هديه  تقودنا لـ (لفرار) : (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) فـ (الانقطاع) وسيلة المفرطين ومن يدعي لنفسه عدم التفريط والتقصير؟! وإن كان (كَرَمَكَ يَجِلُّ عَنْ مُجازاةِ المُذْنِبِينَ وَحِلْمَكَ يَكْبُرُ عَنْ مُكافأَةِ المُقَصِّرِينَ) !!

الاختلاء مع الله والفرار إليه من موبقات الذنوب بلسمٌ لـ (لجراحات) ودواء لما يعتلج في القلوب وكما نقرأ في الدعاء المبارك : (إِلى مَنْ يَذْهَبُ العَبْدُ إِلاّ إِلى مَوْلاهُ وَإِلى مَنْ يَلْتَجِيُ المَخْلُوقُ إِلاّ إِلى خالِقِهِ)؟!

فالاعتكاف دعوة روحية على موائد الجليل ومن جانبه التوفيق في هذه الضيافة فعليه أن يربط نفسه في سارية بيت من بيوت الله كما فعل (أبي لبابة) ويذرف الدموع قبل فوات الآوان، فمن لم يُغفر له في هذه الأيام خسر الفوز بالطهارة والمغفرة ولا عيد له وإن لبس أفخر الثياب فـ (العيد لمن أمن الوعيد) لا لمن فرط في يومه وأمسه.

يتفرغ المعتكف لعبادة الله فيما تبقى له من أيام تعد على الأصابع، فالقرآن المهجور لم نرتوي منه بل خطفتنا الدنيا بزبرجها عنه، والدعاء المأثور ضاع منا بجولات تسوقيه ومشاهدات أضاعت علينا شهراً هو عند الله أعظم الشهور، فالندامة التي لا تساوقها حركة لا قيمة لها وخير حركة يقوم بها النادم لزوم الاعتكاف ليروض نفسه ويشذبها قبل ضياع التذكرة، فالمقاعد لم تكن محدودة ولكن الغفلة ضيعتنا ولعل "دمعة خشية" تطفأ بحور جهنم (وعين بكت من خشية الله) أو "خشعة صلاة" تفي بالغرض : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ).

إن مريم الصديقة كانت تشق طريق الاختلاء بالرب الكريم وتأنس معتكفة بالأنيس الذي لا يُمل فأعطاها من البركات ما تعجب منه زكريا النبي (عليه السلام) : (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!، لقد كرمها ومن تكريمه قوله فيها : (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا)، فكيف لا يُكرم من يقترب من الله؟! وهو القائل في حديثه القدسي : (إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)، فلماذا لا نفر مهرولين إليه وقلوبنا تطفح بالهيام؟!

إن لنا في فرار فتية أصحاب الكهف وقفة وشتان بين (كهفٍ ومسجد)، أيكون (قطمير) ثامنهم أقوى حنكة من المسلم الحصيف؟!، لا يعلم المؤمن ما للاعتكاف من أجر، يكفي فيه مدحاً أنه سيرٌ واقتداءٌ بالنبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما في ذلك دعوة أن نتجافى عن دار الغرور ونعقد العزم على التعلق بجدران المساجد فهي فرصة سانحة لا تفوت المؤمن الفطن، لنوقع توقيعات التوبة ولنبصم بصمات الندم والاعتراف قبل زوال الكنز وقد نظفر ببهجة غامرة إن ربحنا ليلة مخبوءة هي : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر).

7/5/817

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك