عبدالله البحراني
في كل حين تظهر لنا مجموعات تطالب بحقوق الإنسان وحقوق المرأة بالخصوص، وهو حق مشروع ومقدس، لكنهم في كل ذلك يتبعون النسق الغربي غير آبهين بكل القيم والتقاليد التي تسود بيئتنا العربية والإسلامية، وغدت تلك المجاميع تسير مغمضة العينين بل تلهج كالببغاء مرددة أقوالهم ومقتفية آثارهم، والفرق أن الغرب بعد التغيير الذي حصل هناك وانتكاسة الكنيسة الكاثوليكية وعلمنة الدولة بل المجتمع كان ذلك متسقاً مع ذلك التغيير، أما في بيئتنا فالوضع يختلف فلسنا نعيش مرحلة انتكاسة للإسلام بل تنامى في المدة الأخير المد الإسلامي على مختلف اتجاهاته وتياراته بدءاً من اليمين إلى اليسار وما بينهما من المعتدلين المتنورين بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع هذه التيارات، لكن الواقع يتكلم عن نفسه دون شك أو ريبة.
وفي الأيام الأخير المنصرمة خرجت تظاهرات تطالب بحقوق المرأة في المساوات والحرية، والتنديد بالقانون الذي أرسلته الحكومة العراقية للبرلمان، محتجة أن هذا القانون رجعي ويثير الطائفية وينتقص من المرأة ويسلبها حقوقها التي كفلتها لها القوانين المدنية، وأقول جازماً أن الكثير ممن خرجن لم يقرأن مسودة القانون وتلفظن بألفاظ تثير الإشمئزاز حتى بحق الشريعة المقدسة؛ بسبب هذا القانون أو فقرة أو فقرتين منه، وهذا هو قمة الظلم والاعتساف، فلم يكن الدين الإسلامي في يوم من الأيام خانقاً لصوت المرأة أو سالباً لحقوقها أو ممتهناً لها وحتقراً كما في بعض الديانات الأخرى بل هو الذي كرمها وساوى بين وبين الرجل في كثير من الواجبات والحقوق، ولم يمنعها من الإدلاء بصوتها في المجال السياسي، فهذه السيدة الزهراء بنت نبي الإسلام عندما شعرت بالغبن واجهت النظام السياسي الحاكم وأعلى سلطة فيه وهو الخليفة قائلةً له:
((أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقولوَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) وقال( وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ) وقال( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وقال( إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا أ فخصكم الله بآية أخرج أبي منها أم هل تقولون إن أهل ملتين لا يتوارثان أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم.
فهذا المنطق العلمي والحجة الدامغة والشجاعة القلبية في مواجهة الخصوم في مجتمع لم يغادر ظاهرة وأد البنات إلا قبل سنوات، فهل توجد في كل البلاد فتاة لم تغادر سن المراهقة تلهج بهذا المنطق الرائع.
وبعد عدة مراجعات ونقاشات دارت بينها وبين الخليف ،اعتقدت أن لا جدوى من الاستمرار بها وإنما كان ذلك لإلقاء الحجة وإعلام الأمة وتوعيتها بما جرى من تغيير في التجربة الإسلامية الفتية، بعد شعورها باليأس من القوم فالتفتت فاطمة عليها السلام إلى الناس و قالت : معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم فأخذ بسمعكم وأبصاركم ولبئس ما تأولتم وساء ما به أشرتم وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا إذا كشف لكم الغطاء وبان بإورائه، الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون و خسر هنا لك المبطلون).
فهي في هذا القول تعنف المسلمين الذين سكتوا عن الحق ومواجهة السلطة؛ بسبب انتهاكاتها وتوجهها الوجهة الصحيحة أي الوجهة التي ترتبط بمصالح الأمة الحقيقية، وليست بالأمور التافهة والكماليات الزائلة والتي يقاتل أهل الباطل في توجيه أنظار الأمة لها، بينما يصرفون أنظار الشعوب المضطهدة والمستضعفة عن المصالح الحقيقية، فهل يا ترى يجوز لنا أن نتهم الإسلام بالرجعية أو التخلف!! أو اضطهاد المرأة، أم الحق الذي لا مناص من الأإقرار به هو أن الإسلام هو منبع الحريات وهو الذي كرَّم بني آدم ولا سيما المرأة في عصر كانت الشعوب الأوربية غارقة في ظلام دامس تحتقر المرأة لا تقر لها بأي حق
https://telegram.me/buratha