تم توجيه سؤال من أحد الأخوة المؤمنين في مجاميع الحوار المهدوي( منتظرون) على التليكرام، الى سماحة الشيخ جلال الدين الصغير عما إذا كان هناك أكثر من أربعة عشر معصوما؟!، وقد وجدنا أن من المناسب نشر أجابة سماحته، نظرا لغرابة السؤال بعد عدة قرون على الغيبة الكبرى للإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف، وبعد أن أستقر المذهب الشيعي الأثني عشري على مفهومي العصمة والإمامة ، وبات من المعروف والثابت من هم المعصومين عليهم السلام ، إبتداءا من الرسول الأكرم صلواته تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإنتهاءا بقائمهم الإمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه فداء.
يقول سماحة الشيخ جلال الدين الصغير في معرض إجابته على هذا السؤال الملغوم؟!:
سئلت في كروبات الحوار المهدوي (منتظرون) عما اذا كان هناك اكثر من اربعة عشر معصوماً؟ وكان جوابي هو ان كل ديكتاتور معلن او خفي هو عند نفسه وعند جماعته معصوم عملياً رغم انه قد ينكر ذلك نظرياً، وواقع الحال اننا لا نقبل النقد وعدم القبول يعني اننا فوق الانتقاد، ولا نقبل بقول احدنا للآخر انه اخطأ لاننا نعتبر اننا فوق الخطأ ولا يمكن ان نجترح الخطأ، ولو طورنا الامر لوجدنا ان الديكتاتور الذي في دواخلنا لا يقبل الانتقاد ولا نقبل ان يُنتقد، وهكذا لو عممنا الامر الى اي واجهة اجتماعية او سياسية نحبها لا نقبل ان يقال عنها انها اخطأت او اساءت وهي بدورها تنظر بنرجسية عجيبة لذاتها وتراها انها في عالم العصمة ولا يخلو داخلها من ازدراء بالاخرين ان رأوهم خارج دائرة العصمة التي ينكرونها نظريا ولكنهم يتشبثون بها عملياً، واعتقد اننا جميعاً نشترك في ذلك بل ونساهم في تعميم هذه الظواهر فالفراعنة والقارونيين لا يتفرعنون من تلقاء انفسهم ولا يتقورنون بذواتهم فحسب بل يشارك في صناعتهم كل من يطيعهم في حق او باطل ويحتاجهم لاي سبب كان ويتودد اليهم باي عنوان ويتملقهم ويتزلفهم بطريقة فيها مبالغة خارج نطاق الحق والباطل عند ذلك تاتي الحالة النرجسية والتي لا تنشأ في الغالب الا بسبب عقد نشات في الطفولة لتحول هذا النمط من العلاقات الاجتماعية الى حالة اعتداد بالذات ثم تنمو لتتعالى على ذوات الاخرين ثم تطغى لتشمخ بباطلها على الحق فالمطلوب التعظيم والتجليل دوما بمعزل عن حق او باطل، هنا يقع هؤلاء المساكين في عبادة ذواتهم وما يبهجها ويفرحها وذلك قوله تعالى: افرايت من اتخذ الهه هواه ، والذنب ليس ذنبهم دائما اذ ان هؤلاء لديهم نفوس قابلة للطغيان وطاعتنا العمياء وحبنا الاعمى وتملقنا وتزلفنا الذي نتخلى فيه عن ابائنا وكرامتنا هو الذي يحولهم الى معصومين في نظر انفسهم والى معصومين في نظرنا. والغريب اننا من بعد ان يستفحل هؤلاء نبدأ باتهام الاخرين ونطعن بهم ليس لسبب الا لانهم لم يروهم من اهل العصمة، ودعوني اضرب مثلاً يهمنا جميعاً كما ندعي، لقد تحدثت المرجعية عن امور كثيرة تحدثت عن الفساد وتحدثت عن ادانة غير المصلحين وتحدثت عن قارون وتحدثت عن شتى المظاهر التي تشهدها الساحة السياسية التي نحيا بها ونتصارع في خضمها ونصنف علاقاتنا بموجب تداعياتها، وسؤالي هنا لماذا نحمل الصفات السلبية التي تذكرها المرجعية على الاخر ولا نحملها على انفسنا ولو بجزء منها، فهل فرعون واخلاقياته يتواجد عند غيرنا ولا يتواجد عندنا؟
المغالاة التي تصنع الديكتاتوريات هي التي تجعل اتهامنا موجه لغيرنا والتواضع للعدالة يقتضي ان نسال انفسنا قبل ان ننظر الى غيرنا هل نحن من اهل العدل كي نصف غيرنا من اهل الباطل؟ قد يكون الاخر ظالما او فاسداً ولكن هل نحن معصومون من ذلك وكنا مجرد حمائم وديعة في بحر الام الناس؟
لنسأل انفسنا بشجاعة وجدية هل افترضنا في من نحبهم العصمة فلم نعد بحاجة ان ننظر لما يختفي وراء الصورة؟ ام حكمنا على الاخر فافترضناه شيطانا رجيماً لمجرد اننا لا نحبه؟
اترون كيف ان التحزب والتعصب هو الذي يجعل المعصومين بعدد الالاف بل الملايين؟، والاعتدال والتدين والانصاف يقول لا معصوم من بعد الانبياء والائمة صلوات الله عليهم والبقية من بني ادم قد يخطؤون وقد يصيبون... وحينما نلتزم بهذه القاعدة سنقمع النزعة الديكتاتورية في النفوس المستعدة لتتفرعن على الاخرين ومعها سنحرر انفسنا من حالة الامعات التي لا تعبث بمصيرها ولا تتنازل عن كرامتها فحسب، وانما تعبث بكل كرامة الامة ومصيرها.
ايها الناس كلنا خطاؤون فعودوا الى انفسكم ولنتعلم لياقات الامة التي تريد ان تنهض بنفسها وتنتشل روحها من المستنقع الاسن الذي اولجتنا فيه نرجسيات المعصومين المزيفين حينما تبجل من لا يستحق وتعظم من لا يليق به التعظيم.
اعاذنا الله واياكم من شرور انفسنا
https://telegram.me/jalalaldeen_alsagheer
https://telegram.me/buratha