الله من دهر جفا أهل الإبا
وشملهم صيره أيدي سبا
ألا ترى ابتلاءه أهل العبا
ومن اليهم انتمى وانتسبا
أفدي يتيمي مسلم إذ أسرا
ظلماً.. وفي سجن الدعيّ عذبا
سارا بليل وهما لم يدر يا
أين الطريق يطلبان مهربا
أفديهما مستسلمين للردى
لم يرجوا سلامة، بل عطبا
قالا له: ارحمنا لصغر سننا
وقربنا من النبي المجتبى
فقال: لا ارى بقلبي رحمة
إليكما، ولا لطه نسبا
وسار بالرأسين في مخلاته
لابن الدعيّ للعطا، فعذبا
يا اهل كوفان قتلتم مسلماً
ظلماً .. وما تركتم من اعقبا!
ما ذنب طفليه اليتيمين فلم
قتلتم، وخنتمو .. هل أذنبا؟!
لو توقع متوقع، او احتمل محتمل.او أن بني امية، أو أنّ يزيد بن معاوية، والثلة من بطانته وعصابته وأزلامه، سيقتلون ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته حتى الاطفال منهم، ويمثلون بأجسادهم، ويحرقون خيامهم ويأسرون حريمهم، وهم نساء رسول الله وذراريه، ويقتلون خيار الصحابة والتابعين! لم يقبل ذلك التوقع او الاحتمال احد من المسلمين؛ ليهول الامر، اذ لا يتجرأ احد على ذلك مهما بلغ من الانحطاط والمسخ عن الانسانية ولأعترض البعض، لم هذه التهم وإساءات الظن! ولكن كربلاء اثبتت ذلك بما ثبته التاريخ في وقائعه الرهيبة، حتى لم يستطع احد أن ينكر او يغطي شيئاً مما كان وجرى على آل النبي. مما قد يحير العقول! فكيف يقتل طفل لم يبلغ من العمر الا ستة شهور، في حجر ابيه وهو يتلظى عطشاً؟! وكان ذلك، حين رمى حرملة الاسديّ عبد الله الرضيع ولد الامام الحسين يوم عاشوراء. وقتل بعد ذلك عدة من الصبيان والغلمان والاطفال في هجوم على مخيمات الحسين بعد شهادته، فاحرقت وسُحق الصغار حتى ماتوا تحت سنابك الخيل، ومات البعض منهم في صحراء كربلاء ليلاً، هلعاً وتيهاً وظمأ. بعد ان فروا على وجوههم فزعين مرعوبين وكان منهما: ولدا مسلم بن عقيل: احمد وابراهيم، وكانا غلامين صغيرين، هربا، ثم اسرا.
*******
يروي قصتيهما الشيخ الصدوق في أماليه، اولاً الى ما يحدثنا به خبير برنامج آل هاشم في طف كربلاء سماحة الشيخ باقر الصادقي عن هذين الشهيدين والدلالات المستفادة من قصة استشهادهما:
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
من جملة الامور الواضحة في قضية وفي معركة الطف و واقعة الطف ان آل عقيل كانوا هم اكثر الاسر تضحية وشهادة وقدموا من الشهداء حتى ان الامام زين العابدين كان يقول: “اني ما ذكرت مصرعهم بين يدي ابن فاطمة الا وخنقتني العبرة -وفي نص آخر- كلما مررت على دار آل عقيل خنقتني العبرة لأنها خالية” ومن جملة هؤلاء الذين استشهدوا طفلي مسلم المدفونين في المسيب، منطقة تبعد عن كربلاء ربما ثلاثين او اربعين او اقل كيلو متراً من بغداد.
ذكر قصتهما الشيخ الصدوق اعلا الله مقامه بشكل مفصل وانا بما يتسع به المجال اذكر هذا المعنى، طبيعي بعد شهادة الامام الحسين وحرق الخيام فررن بنات الزهراء وفر بعض الاطفال والقي عليهم القبض و اودعوا السجن ومكثا في بعض النصوص سنة كاملة ثم كلما ذلك السجان عن امرهما وعن ارتباطهما بهذا النسل المبارك وكان من محبي اهل البيت فتأثر وتعاطف معهما واطلقهما من السجن ثم سارا في الليل ويكمنان في النهار وفي ليلة في مكان ما صار وقوفهم عند امرأة وهذه الامرأة حينما سألاها بحق الرسول وبحق اهل البيت آوتهما وضيفتهما وقد اصدرت السلطات واصدر عبيد الله بن زياد امراً بألقاء القبض عليهما حينما بلغه انهما هربا من السجن و اوعد ان يعطي لمن يمسك بهما الجائزة وفعلاً كان عند هذه المرأة زوج لم يجعل الله في قبله رحمة، هذا كان يتعب ويذهب ويبحث عنهما للحصول على طمع الدنيا وعلى الجائزة الا ان اقبل الى داره متعباً واستراح قليلاً وسمع زقيق الغلامين بعد ان انتبه من نومه وسأل زوجته وحاولت ان لا تطلعه على ذلك فأصر عليها وبالتالي اخذت عليه بعض العضول فلم يفي لها بعد ان عرف انهما ابني مسلم بن عقيل وامر غلامه قال خذهما واقطع رأسيهما وارمي بجثتيهما في نهر الفرات واخذهما فعلاً الغلام فكلماه عن اصلهما وفصلهما وارتباطهما بالنبي وقالا يا غلام ما اشبه سوادك بسواد بلال مؤذن النبي فلما عرف عفا مولاه وعبر نهر الفرات، قال: عفيتني؟
قال: ويحك لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق عزوجل وبعد ذلك التفت الى ولده وقال بني هذا السيف خذهما واقطع رأسيهما وارمي بجثتيهما في نهر الفرات فكلماه عن ارتباطهما بهذا النسل المبارك وان يكون النبي شفيعاً له في يوم القيامة وذكراه ببعض شباب المؤمنين فأستجاب لهما ورق لهما فرمى السيف وعبر نهر الفرات الى القسم الاخر فخاطبه ابوه وقال: عصيتني.
فقال: يا اب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأقبل عدو الله الذي لم يجعل الله في قلبه شيئاً من الرحمة فكلماه في امرهما وقالا له خذنا الى الطاغية هو الذي ينظر في حكمنا فلم يأذن لهما، بعنا في السوق وانتفع بثمننا فلم يقبل بذلك وكلما قدموا له اقتراح كان يأبى وصمم على قطع رأسيهما فقالا دعنا نصلي لربنا ركعتين فقال: صليا ان نفعتكم الصلاة فتوجها الى القبلة وصليا واعتنق احدهما الاخر ثم قال احدهما ابدأ بي قبل اخي، الاخر قال ابدأ بي انا قبل اخي الى ان نفذ فيهما حكم الاعدام وقطع رأسيهما ورمى بجثتيهما في نهر الفرات فأعتنقت الجثة الاخرى واخذ برأسيهما مسرعاً الى الطاغية عبيد الله بن زياد طمعاً في الحصول على الجائزة ولكن لن يستجب له وغضب عليه وقال هلا جئت بهما لأنفذ انا حكمي ولم يحصل على الجائزة بل حصل على عكس وقال انه امر بضرب عنقه ومضى وهلك ولم يحصل لا على الدنيا ولا على الاخرة وخسر الدنيا والاخرة وذلك هو الخسران المبين.
هذا بشكل ملخص قصة هذين الغلامين ابني مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) ما رزقنا في الدنيا زيارتهما وفي الاخرة شفاعتهما والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
*******
نعود احباءنا الى قصة استشهاد طفلي مسلم اللذين خصتهما العناية الالهية بمزار مجلل يؤمه المؤمنون من أقطار العالم ويتقربون الى الله عزوجل بزيارته أداءً لحق المودة في القربى المحمدية وهو مزار مبارك شاءت حكمة الله ان يظهر فيه جلت قدرته الكثير من كرامات استجابة دعاء الداعين وقضاء حوائج المتوسلين على مدى العصور.
وقد نقل قصة استشهاد هذين الغلامين الهاشميين الشيخ الثقة الصدوق (رضوان الله عليه) في كتاب الامالي واليه نستند في عرضها بعد شهادة ابي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) عصر عاشوراء، أخذ اعداء الله بهجومهم عند الغروب على مخيمات الاطفال والنساء، حرقاً وسلباً، فكان الفزع بعد تلك الفاجعة العظمى، وكان الفرار على الوجوه، فاسر في ذلك طفلان من عسكر الحسين، جئ بهما الى عبيد الله بن زياد، فدفعهما الى رجل وأوصاه بالتضييق عليهما حتى في الطعام والشراب، فمكثا في الحبس سنة، فلما جاء سجانهما يوماً سألاه: هل تعرف محمد بن عبد الله؟
قال: هو نبييّ!
ثم سالاه عن الشهيد جعفر الطيار، فأجاب: انه هو الذي انبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة، فسالاه عن الامام علي، فقال: انه ابن عم النبيّ.
فقالا له: نحن من عترة رسول الله نبيك، ومن اولاد مسلم بن عقيل، وقد ضيقت علينا. فانكب الرجل عليهما يقبلهما، ويعتذر اليهما، ثم قال لهما: إذا جنّ الليل أقتح لكما باب السجن، فخذا أي طريق شئتما. فسارا ليلاً، وأكمنا نهاراً. حتى انتهيا الى عجوز كانت تنتظر ختناً لها ـ اي زوج ابنتها ـ فوقف الغلمان عليها، وعرّفاها بأنهما غريبان من عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهما لا يهتديان الى الطريق، فاستضافاها سواد تلك الليلة، فأدخلتهما البيت، وقدمت لهما الطعام والشراب، فباتا راجين للسلامة، واعتنق احدهما الآخر وناما. وفي تلك الليلة أقبل ختن تلك العجوز وقد اجهده الطلب للغلامين الهاربين من سجن ابن زياد لينال الجائزة التي جعلت الفي درهم لمن يأتي براسيهما! فوجدهما في بيت العجوز نائمين، فحذرته الم العجوز من العذاب الاليم، ومخاصمة جدهما محمد (صلى الله عليه وآله)، لكنّ ذلك لم ينفع معه، فسالهما: من انتما؟
قالا: إن صدقناك فلنا الامان؟
قال: نعم.
فأخذ عليه أمان الله وأمان رسوله، ثم أوقفاه على حالهما. لكن الرجل ما أن اصبح الصباح حتى أمر غلاماً له أسود، أن يأخذ الغلامين الى شاطئ الفرات ويذبحهما ويأتيه براسيهما.
فلما أخذهما قالا له: اتقتلنا ونحن عترة نبيك؟! وقصا عليه قصتهما وما لاقياه من الخوف والنصب، فرّق الغلام لهما، واعتذر اليهما، ثم رمى السيف والقى بنفسه في الفرات وعبر الى الجانب الآخر!
ولم يرتدع الرجل، بل دعا ابنه يقول له: إنما أجمع الدنيا حرامها وحلالها لك، فاضرب عنقي هذين الغلامين، لأحظى برأسيهما عند ابن زياد.
ولما وقف الولد عليهما قالا له: يا شاب!
أما تخاف على شبابك من نار جهنم ونحن عترة رسول الله محمد؟! فرق الولد لهما، وهرب.
فقال الرجل: أنا اتولى ذبحهما.
فقال له الغلامان ولدا مسلم: إن كنت تريد المال فانطلق الى السوق وبعنا، ولا تكن ممن يخاصمك محمد في عترته. فما ارعوى عن غيّه، وصمم على ضرب عنقيهما، فقالا له: انطلق بنا الى ابن زياد ليرى فينا رأيه. فأبى.
فقالا: الم ترع حرمة رسول الله في آله؟! فأنكر قرابتهما من النبيّ، فاستعطفاه لصغر سنيهما، فلم يرق قلبه! فطلبا منه أن يصليا لربهما سبحانه وتعالى. فلما فرغا من صلاتيهما رفعا أيديهما الى الله عزوجل وهما يقولان: يا حيّ يا عليم، يا أحكم الحاكمين، أحكم بيننا وبينه بالحق.
فقدّم الغلام الاكبر فذبحه، فجعل الاصغر يتمرغ بدم أخيه وهو يقول: هكذا القى رسول الله وأنا خضب بدم أخي. ثم ضرب عنق الثاني وهما متعانقان، والقى بجسديهما في الفرات، وأقبل اللعين برأسي الغلامين ولدي مسلم بن عقيل الى الطاغية عبيد الله بن زياد، وقد قص عليه ما شاهده منهما.
فاستجاب الله تعالى دعاء الغلامين المظلومين، حيث حرم ذلك القاتل دنياه وآخرته، إذ قال له ابن زياد من دون ارادته: إن أحكم الحاكمين حكم بقتلك. وأمر عبيد الله بالرجل فاخذ الى الموضع الذي قتل فيه ولدي مسلم، فضربت عنقه، ونُصب راسه على قناة، فأخذ الصبيان يرمونه بالحجارة ويقولون: هذا قاتل ذرية رسول الله! هذا قاتل ذرية رسول الله!
*******