ضمنَ سلسلة المقابلات التي تجريها وكالة شفقنا الإخباريّة كان لنا حديثٌ حصريّ مع الباحثة السويسرية د. إلفيرا كوربوز Elvire Corboz، والمتخصّصة بشؤونِ الشرق الأوسط الحديثة والأستاذة بجامعة أووهوس في الدنمارك خلال زيارتها الأخيرة إلى لبنـان، حول ما دفعها للاهتمام بالتخصص الأكاديميّ بشؤون الشيعة والمرجعية الدينية والأبحاث التي تجريها بهذا الشأن.
بدأت كوربوز حديثها عمّا دفعها للاهتمامِ والتخصّص في شؤون المرجعية الدينيّة والشيعة في الشرق، فقالت أن “هذا الاهتمام بدأ عندما كنتُ طالبةً جامعيّة في جامعة جنيف في سويسرا حيث كنت أتخصّصُ في الدراسات العربيّة والإسلاميّة، وشاركتُ في حلقةٍ دراسيّة محورُها العتبات المقدّسة في العراق بين القرنين التاسع عشر والعشرين بعد الميـلاد. اطّلعت حينها على المذهب الشيعيّ ونظام المرجعيّة الدينيّة الذي أثار اهتمامي، فبدأتُ بالبحث الموسّع عن العتبات المقدسة والحوزات العلميّة ومراجع التقليد في العراق. وكانت رسالتي لنيل إجازة الدكتوراة في العام 2005 دراسةً تحليلة لمرجعيّة السيد محسن الحكيم ثم السيد أبو القاسم الخوئي وتأثيرهما العالميّ، وقد اخترتُ دراسة النطاق العالميّ لمرجعيتهما لتعذّري الوصول إلى قلبِ العراقِ آنذاك.
وعمّا إذا كان الاهتمام بمرجعيّة السيد الحكيم والسيد الخوئي رحمهما الله سيدفعها لاحقًا للكتابة عن مرجعية آية الله السيستاني كذلك، قالت كوربوز أنه بالرغم من أن رسالتها لنيل الدكتوراه تناولتِ البُعدَ التاريخيّ للمرجعيّة، إلا أن كتابتها عن السيد الخوئي يدفعها للاهتمام بمرجعيّة آية الله السيد علي السيستانيّ كونهُ ثمرة علميّة لجهود المرجع الخوئي وتخرّج على يديه وخلفهُ في مرجعيته للطائفة الإماميّة، مضيفًة أن اطلاعها على الفتاوى السياسية التي أصدرها إبّان احتلال العراق للكويت سيمكّنها من فهم الفتاوى التي يصدرُها آية الله السيد عليّ السيستاني التي ترتبط بالمسألة العراقية منذ ثلاثة عشر عامًا وحتّى الآن، “وهذا بالطبع يظهرُ مدى قابليته وسِعَة استيعابه للتغير السريع للأحداث.”، مؤكدة أن اهتمامها ينصبّ في المجال الاجتماعي للمرجعية أكثر منه في السياسيّ، “فأنا أعملُ الآنَ على بحثٍ أكاديميّ يتناولُ ممثّلي المراجع الدينيّة ودورهم في المجتمعات”.
ولفتت كوربوز إلى أنّ المذهب الجعفريّ لا يزالُ حقلًا صغيرًا في الدراسات الأكاديميّة في الغرب، “ولكن بالرغم من ذلك هناك تزايد في أعداد الباحثين في المواضيع المختلفة بالمجال الشيعيّ، وبما أنّني متخصصة بالشؤون الجعفريّة، فأنا أعمل على تقديم وإقامة حلقات دراسيّة حول هذا الموضوع كلّما سنحت ليَ الفرصة، وعلينا ألا ننسى ما تقوم به الجمعيات الخيرية كمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في رفع مستوى الوعي عن المذهب الشيعيّ وإظهاره بصورة حقيقية غير مُحرّفة لدى الإعلام الغربيّ”.
وعن الاقتراحاتِ التي يُمكنُ العملُ عليها مستقبلًا من أجل الوصول إلى فهمٍ متبادَل بين الغرب الأكاديميّ والمرجعية الدينية، اقترحت كوربوز ترجمة الأبحاث الأكاديمية الغربيّة التي تختصّ بالشؤون الشيعية وكذلك ترجمة كتب المرجعية إلى لغات متعددة لبناء جسرٍ من التواصل وتبادلِ الخبرات، مضيفًة أنّ إقامةَ المؤتمرات الحواريّة بين الغرب والمرجعيّات الدينية ستكون بادرةً فعّالة، مشيرًة في الوقت عينه أنه، وبحسب ما تناهى إلى معرفتها، فإن جامعة الكوفة في النجفِ الأشرف تخطّطُ لإقامة مؤتمرٍ تدعو فيه الأكاديميين الغربيّين المتخصصين بشؤون الشيعة.
وفي الختام ذكرت كوربوز زياراتها الثلاث إلى إيران خلال أبحاثها لنيل الدكتوراه، وزيارتها الأخيـرة في هذا العام إلى إيران والعراق، مشيرًة إلى أنها المرة الأولى التي زارت فيها النجف وكربلاء والعتبات المقدسة ومكاتب المراجع الدينيّة شاكرًة لهم على حسن استقبالهم ومساعدتهم لها، مؤكدًة أنه بالرغم من عدم انتمائها للمذهب الجعفريّ إلا أن الأجواءَ الروحانيّة في تلك العتبات كانت رائعة بحقّ.
زينب الحكيم
https://telegram.me/buratha