لا نقاش في أن زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام، هي من كرامات الحسين (ع)، بكل ما للكلمة من معنى، فهي أكبر وأضخم وأطول مسيرة في العالم، دون أن تدعو إليها أو تنظمها أو تمولها جهات حكومية أو دولية، وهي تتكرر كل عام، وفي ظروف أمنية واقتصادية وسياسية في غاية الحساسية يعيشها العراقيون.
زيارة الأربعين ترافقها كرامة اخرى للإمام الحسين (ع) وهي الكرم العراقي، الكرم الذي فاق كل التصورات ببركة الحسين (ع)، حتى تحول هذا الكرم إلى مضرب للأمثال، ونسجت حوله القصص والحكايات، بعد أن رصدت الكاميرات هذه الحقيقة المذهلة إلى العالم أجمع.
هناك دول تعيش في أمن وأمان وفي أوضاع اقتصادية ممتازة، إلا أنها ترتبك وتقع في أخطاء مميتة تؤدي بحياة المئات من الأبرياء، إذا ما وفد إليها مليونا زائر، بينما العراق المنكوب بـ”داعش” والجماعات التكفيرية والمؤامرات الإقليمية والدولية، فإنه يحتضن الملايين من الزوار، دون أن نشهد أي حادثة يمكن أن تعكر صفو زيارة الأربعين المليونية.
من أجل أن نتعرف على بعض جوانب هاتين الكرامتين، زيارة الأربعين وكرم العراقيين، لابد أن نشير إلى بعض الأرقام الخاصة بزيارة الأربعين التي جرت في العام الماضي (2015):
عدد زوار أربعين الإمام الحسين عليه السلام وصل إلى 25 مليون زائر ، منهم 17 مليونا و500 ألف من داخل العراق و 7 ملايين و500 ألف من خارج العراق ، وشكل الرجال 40 بالمائة و النساء 60 بالمائة من الزوار ، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد الزوار هذا العام (2016) عدد زوار العام الماضي.
في أربعينية العام الماضي ، شكل الإيرانيون نسبة 60 بالمائة من عدد الزوار الأجانب ، والسعوديون 17 بالمائة ، واللبنانيون 7 بالمائة ، والبحرانيون 4 بالمائة ، والكويتيون 3 بالمائة ، والباكستانيون 2 بالمائة ، والقطريون 1 بالمائة ، وباقي دول العالم ( 80 بلدا) 8 بالمائة.
ولما كانت عملية استقبال هذه الأمواج الهادرة من الزوار على جوانب الطرق المؤدية من مختلف المحافظات العراقية والمعابر الحدودية والمطارات ، إلى كربلاء المقدسة ، تقع على عاتق الناس العاديين ، فكان هناك 7137 موكبا ، تقدم مختلف الخدمات من الطعام والشراب والمبيت والخدمات الطبية وباقي الخدمات الأخرى ، بينها 7060 موكبا عراقيا ، و 77 موكبا أجنبيا.
25 مليون زائر مشوا على مدى أيام من مختلف مناطق العراق الى كربلاء ، ومن ثم عادوا الى بلدانهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم ، دون ان يحملوا معهم شيئا او يدفعوا فلسا واحدا في مقابل المأكل والمشرب والمبيت والخدمات ، فكل ما كانوا يحتاجون اليه ، كان يقدم اليهم بالمجان ودون اي مقابل ، بل على العكس تماما ، كان هناك من يُقبّل اقدام الزوار ويدلكها ، في ظاهرة لم ولن يشهدها العالم اجمع ، الا على طريق كربلاء وبين العراقيين.
ظاهرة الكرم العراقي تتكثف اكثر لو علمنا ان كل ما احتاجه الـ25 مليون زائر ، تم توفيره من قبل مواطنين عراقيين عاديين ، من العمال والفلاحين والموظفين والكسبة والتجار ، ولا تتدخل الحكومة العراقية في هذا الشان مطلقا ، فحريا بالكرم الحاتمي ، ان يذوب خجلا امام كرم العراقيين.
في هذا العام (2016) يتوقع اغلب المراقبين ان يتجاوز عدد زوار الحسين (ع) الـ25 مليون زائر ، بالاضافة الى تحسن واضح في الخدمات التي تقدمها المواكب المتراصة والمتلاصقة مع بعضها على جميع الطرق المؤدية الى كربلاء.
زيارة الاربعين وكرم العراقيين ، ومشهد الشباب والشيوخ ، الذين يخدمون زوار الحسين عليه السلام بكل تفان واخلاص ، والكتل البشرية المندفعة نحو كربلاء دون كلل او ملل ، هي بعض كرامات الحسين عليه السلام.