يوافق 15 من رمضان ذكرى العطرة لسبط النبي الأكرم (ص) الإمام الحسن المجتبي (ع)، كما أنه امتاز بصفات حتى قال واصل بن عطاء : كان للحسن بن علي (عليهما السّلام) سيماء الأنبياء وبهاء الملوك ، ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (ص) مثل ما بلغ الحسن .
((اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ ابْنِ سَيِّدِ النَّبِيّينَ وَوَصِيِّ أميرِ الْمُؤْمِنينَ . اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ رَسُولِ اللهِ ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ ، أشْهَدُ أنَّكَ يَابْنَ أميرِ الْمُؤْمِنينَ أمينُ اللهِ وَابْنُ أمينِهِ ، عِشْتَ مَظْلُوماً وَمَضَيْتَ شَهيداً ، وَأشْهَدُ أنَّكَ الإمامُ الزَّكِي الْهادِي الْمَهْدِي . اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَبَلِّغْ رُوحَهُ وَجَسَدَهُ عَنّي في هذِهِ السّاعَةِ أفْضَلَ التَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ ))(1) .
قال الرسول الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله) : (( أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي )) ، وقال أيضاً عنه وعن أخيه الحسين (عليهما السّلام) : (( مَن أحب الحسن والحسين أحببته ، ومن أحببته أحبّه الله ، ومن أبغضهما أبغضته ، ومن أبغضته أبغضه الله )) .
وقال تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(2) .
فهو من أصحاب الطهر الذين نزلت فيهم هذه الآية ، وهو من الذين أمر الله بمودتهم (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3) ، وكان أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله) نصارى نجران .
ولادة الإمام (عليه السّلام)
عن الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام) أنّه قال : (( لما وُلدت فاطمة الحسن (عليه السّلام) قالت لعلي (عليه السّلام) : سمّه . فقال : ما كنت لأسبق باسمه رسول الله . فجاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأُخرج إليه في خرقة صفراء ، فقال : ألم أنهكم أن تلفوه في [خرقة] صفراء . ثمّ رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفّه فيها ، ثم قال لعلي (عليه السّلام) : هل سمّيته ؟ فقال : ما كنت لأسبقك باسمه ؟ فقال (صلّى الله عليه وآله) : وما كنت لأسبق باسمه ربي (عزّ وجلّ) .
فأوحى الله (تبارك وتعالى) إلى جبرئيل أنّه قد وُلد لمحمّد ابن ، فاهبط وأقرئه السلام وهنّئه ، وقل له : إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى ، فسمّه باسم ابن هارون . فهبط جبرئيل (عليه السّلام) فهنّأه من الله (عزّ وجلّ) ، ثمّ قال : إنّ الله (عزّ وجلّ) يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون . قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبّر . قال : لساني عربي . قال : سمّه الحسن . فسمّاه الحسن )) . وكانت ولادته (عليه السّلام) بالمدينة في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة .
وجاء في كتاب الذرية الطاهرة للدولابي أنه قال : تزوّج علي فاطمة (عليهما السّلام) فولدت له حسناً بعد اُحد بسنتين ، وكان بين وقعة اُحد وبين مقدم النبي (صلّى الله عليه وآله) المدينة سنتان وستة أشهر ونصف ؛ فولادته لأربع سنين وستة أشهر ونصف من التاريخ ، وبين اُحد وبدر سنة ونصف .
فجيء به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال : (( اللّهمَّ إنّي اُعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم )) . وأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وسمّاه حسناً ، وعقّ عنه كبشاً .
صفات الإمام (عليه السّلام)
كان الإمام الحسن (عليه السّلام) أبيضَ مشرباً بحمرة ، أدعج العينين ، سهل الخدين ، رقيق المشربة ، كث اللحية ، ذا وفرة ، وكأن عنقه إبريق فضة ، عظيم الكراديس ، بعيد ما بين المنكبين ، ربعة ، ليس بالطويل ولا القصير ، مليحاً ، من أحسن الناس وجهاً ، وكان يخضب بالسواد ، وكان جعد الشعر ، حسن البدن .
يقول واصل بن عطاء : كان للحسن بن علي (عليهما السّلام) سيماء الأنبياء وبهاء الملوك ، ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مثل ما بلغ الحسن . كان يُبسط له على باب داره ، فإذا خرج وجلس على البساط انقطع الطريق ، فما مرَّ أحد من خلق الله ؛ إجلالاً له ، فإذا قام ودخل بيته مرّ الناس واجتازوا . لقد رأيته في طريق مكة ماشياً ، فما من خلق الله أحد رآه إلاّ نزل ومشى .
نشأة الإمام (عليه السّلام)
نشأ الإمام الحسن (عليه السّلام) في ظلّ الأُسرة النبوية ، وتغذّى بطباعها وأخلاقها ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو المربّي الأول للإمام (عليه السّلام) ، وكان كثير الاهتمام به ، ولطالما أكّد (صلّى الله عليه وآله) على محبته ومحبة أخيه شهيد كربلاء ، وهذا ما رواه السنة والشيعة ، فعن أبي هريرة ، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : (( من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني )) .
وصية أمير المؤمنين عليٍّ للحسن (عليهما السّلام)
وعن سليم بن قيس الهلالي قال : شهدت أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين أوصى إلى ابنه الحسن (عليه السّلام) ، وأشهد على وصيته الحسين (عليه السّلام) ومحمّداً وجميع ولده ، ورؤساء شيعته وأهل بيته ، ثم دفع إليه الكتاب والسّلاح ، وقال له : (( يا بُني ، أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن اُوصي إليك ، وأدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إليَّ ودفع إليَّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين )) .
ثم أقبل على ابنه الحسين (عليه السّلام) فقال : (( وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك هذا )) ، ثمّ أخذ بيد علي بن الحسين وقال : (( وأمرك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن تدفعها إلى ابنك محمّد بن علي ، واقرأه من رسول الله ومنّي السّلام )) .
وأنّ علياً (عليه السّلام) لما سار إلى الكوفة استودع اُمّ سلمة (رضي الله عنها) كتبه والوصية ، فلما رجع الحسن (عليه السّلام) دفعتها إليه .
بيعة الإمام (عليه السّلام)
ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسن بن علي (عليهما السّلام) قد دعا إلى الأمر بعد أبيه (عليه السّلام) ؛ حيث قام خطيباً في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، ثمّ قال : (( لقد قُبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوجّهه برايته فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، فلا يرجع حتّى يفتح الله تعالى على يديه . ولقد توفي (عليه السّلام) في هذه الليلة التي عرج فيها عيسى بن مريم ، وفيها قُبض يوشع بن نون ، وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمئة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله )) .
ثمّ خنقته العبرة ، فبكى وبكى الناس معه ، ثم قال : (( أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه ، أنا ابن السراج المنير ، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، أنا من أهل بيت افترض الله تعالى مودتهم في كتابه فقال : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً) . فالحسنة مودّتنا أهل البيت )) .
ثم جلس ، فقام عبد الله بن العباس بين يديه وقال : يا معاشر الناس ، هذا ابن نبيكم ، ووصي إمامكم فبايعوه . فتبادر الناس إلى البيعة له بالخلافة .
أخلاق الإمام (عليه السّلام)
كان الإمام الحسن (عليه السّلام) يفضّل أن يكتب له المحتاجون حاجتهم في ورقة ، فسئل عن ذلك ، فأجابهم أنه لا يريد للسائلين أن يريقوا ماء وجههم ؛ ليحفظ كرامتهم.
وروي أنّ الإمام (عليه السّلام) قد تعرّض للسبِّ من قِبل رجل من أهل الشام كان مخدوعاً بتضليلات معاوية بن أبي سفيان ، فابتسم الإمام (عليه السّلام) في وجهه وقال له باُسلوب هادئ : (( أظنّك غريباً ، فلو أنك سألتنا أعطيناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك ، وإن كنت جائعاً أطعمناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، أو طريداً آويناك )) . فخجل الشامي وطلب العفو ...
كرم الإمام (عليه السّلام)
ومن كرمه (عليه السّلام) أنّ جماعة من الأنصار أرادوا بيع بستان لهم ، فاشتراها ، وبعد مدة اُصيبوا بضائقة مالية شديدة ، فردها لهم بدون مقابل .
بعض كلمات الإمام (عليه السّلام) في الصلح مع معاوية
ـ (( والله ، لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي واُؤمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي . والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ))(4) .
ـ (( لولا ما اُتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتِل ))(5) .
ـ (( والله لئن اُسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم آخر الدهر لمعاوية لا يزال يمنّ بها وعقبه على الحيّ منّا والميت ))(6) .
ـ (( والله ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أنّي لم أجد أنصاراً ، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتّى يحكم الله بيني وبينه ))(7) .
ـ (( لكنّي أردتُ صلاحكم وكفّ بعضكم عن بعض )) . وقوله في جواب حجر بن عدي : (( وما فعلتُ ما فعلتُ إلاّ إبقاءً عليك . والله كلُّ يوم في شأن ))(8) .
ـ (( ولكنّي خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً تشخب أوداجهم دماً ، كلهم يستعدي الله فيم هريق دمُه ))(9) .
ـ (( يا أبا سعيد ، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول الله لبني ضمرة ، و... اُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفروا بالتأويل ))(10) .
وقد عبّر الإمام الباقر (عليه السّلام) بقوله : (( لولا ما صنع لكان أمر عظيم ))(11) .
وقال الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( اعلم أنّ الحسن بن علي (عليهما السّلام) لما طعن واختلف الناس عليه سلّم الأمر لمعاوية ، فسلّمت عليه الشيعة : عليك السّلام يا مذل المؤمنين . فقال (عليه السّلام) : ما أنا بمذلّ المؤمنين ، ولكني معزّ المؤمنين . إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوّة سلّمت الأمر ؛ لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم ، كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها ، وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم ))(12) .
فإنّ الشيعة سلّمت عليه سلام وداع لا سلام ابتداء ؛ إذ قدّمت الجز على المبتدأ ، وهذا يعني أنهم في منتهى اليأس والقنوط ، إلاّ أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) تداركهم بلطفه وعطفه ، فأبان لهم وجه الحكمة في المصالحة ، وأنهم السبب في ذلك ؛ لأنّهم ليس بهم على أهل الشام قوة ، فسلّم الأمر لمعاوية بقياً على نفسه وعليهم ، ثمّ ضرب لهم مثلاً من القرآن الكريم بقصة العالم الذي خرق السفينة لتبقى لأهلها كما في سورة الكهف .
وكان من أعظم منجزات الإمام (عليه السّلام) في هذا الصلح هو كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيامه والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ؛ إذ لولا تسليمه الأمر إلى معاوية ، ومن ثمّ نكث هذا الأخير لِما أعطى الإمامَ (عليه السّلام) من شروط وعهود ، لما كانت تُعرف حقيقة معاوية العدوانية ، بل ونفاقه الصريح .
ونختم القول بأدعية الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام) : (( اللهمَّ أقلني عثرتي ، وآمن روعتي ، واكفني مَن بغى عليَّ ، وانصرني على مَن ظلمني ، وأرني ثأري منه)) .
ونُقل عنه أنه قال : (( علّمني جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلمات أقولهن في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولّني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شرَّ ما قضيت ؛ فإنّك تقضي ولا يُقضى عليك ، وإنّه لا يُذلّ مَن واليت ، تباركت ربنا وتعاليت ... )) .
ــــــــــــــــــــ
1 ـ بحار الأنوار 91 / 74 .
2 ـ سورة الأحزاب / 33 .
3 ـ سورة الشورى / 23 .
4 ـ الاحتجاج 2 / 20 .
5 ـ علل الشرائع / 211 .
6 ـ المصدر نفسه .
7 ـ المصدر نفسه / 212 .
8 ـ شرح نهج البلاغة 16 / 15 .
9 ـ المصدر نفسه .
10 ـ المصدر نفسه .
11 ـ المصدر نفسه .
12 ـ تحف العقول / 224 ط الأعلمي .
https://telegram.me/buratha