تماها محبو السلطة بعضهم بعضا ضاربين حقيقة الاسلام عرض الحائط وهو في صدره طمعاً بالحكم وإن كان على حساب العقيدة والمعتقد والدين، فجارا بعضهم الآخر دعماً في التصدي لمسؤولية الأمة رغم أنه ليس شأنهم، فهي لها رجالها أولياء أختارهم الله سبحانه وتعالى لهداية المجتمع البشري، لكنهم حرفوا مسير الوعي والرشاد وأغتصبوها متغافلين الأمة وناكثين للعهد؛ فسقطت حرمة الكلمة وأنبطح الميثاق طمعا بالمال والعنوان والقدرة لتبدأ مرحلة نكث العهود والمواثيق في أمة خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم مشرعنة للجبابرة والمتغطرسين والفراعنة حتى يومنا هذا يتوارثها أجيال الطلقاء وأنصارهم وشيعتهم واحداً تلو الآخر .
عملية التضليل السلطوي على مجريات الأحداث الاسلامية وحقائقها بدأت وجسد نبي الرحمة والرأفة والمودة (ص) لم يورى بعد الثرى، ولم يمض على العهد الذي قطعته الأمة له سوى سبعين يوماً وصوت كبار الصحابة مهنئين الامام علي بإمامة الأمة "بخاً بخاً لك يا علي أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.. وهنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة" لازال يدوي في جميع زوايا وبيوت مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث تناقلتها حشود أكثر من (130) ألف حاج كان حاضراً في منطقة غدير خم والنبي الأعظم (ص) يأخذ البيعة لوصيه دون فصل علي بن أبي طالب (ع) .
أمتثل خاتم المرسلين لآخر أوامر الله سبحانه وتعالى "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" - سورة المائدة- الآية 67، فخاطب (ص) حشود المسلمين الحجيج قائلا: "ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار" - روته مصادر الحديث لأكثر من 50 من كبار علماء وثقاة أهل السنة؛ فأتهموه أنه يريد زوراً وبهتاناً أخذ البيعة لأبن عمه وصهره قائلين.. "لايمكن أن تكون النبوة والإمامة لبني هاشم وقريش سيدة العرب لا تكسب شيئاً"، ليبدأوا من هناك وحتى هذه اللحظة سياسة إعادة الأمة الى الجاهلية والقبلية والوثنية محاربين علناً رسول العدالة والتساوي والتعايش السلمي وأتباعه وأنصاره،بحلة الدين والقومية والحمية القبلية مسلطين أصحاب النفوس الضعيفة على رقاب الأمة .
عملية التضليل والتدليس على واقعة الغدير ومردودها في العيش السليم والآمن للأمة، والعمل على إيجاد اللغط والشكوك والمغالطة في حقيقتها ومصداقيتها باعتبارها أمراً إلهياً، وقعت في صدارة إهتمام حكام ذلك الزمان وأعوانهم وحواشيهم وانحرافاتهم حتى يومنا هذا ليضحى درساً لكل الطغاة يتمسكون به في نكث العهود والمواثيق، أولئك الساسة الأكثر تصلباً وحقداً وحسداً وكرهاً على آل بيت النبوة والإمامة وشيعتهم وأنصارهم ومحبيهم وما أكثرهم في عصرنا الحاضر في البلاد الاسلامية، ليضيع العهد والميثاق في دهاليز قصور السلطة المتوارثة وتختطف حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها؛ وما أشبه اليوم بالبارحة وفي أرض الوحي والتنزيل وسلطة آل سعود تنكث ميثاق "شركاء في الوطن"، وآل خليفة ينسفون "ميثاق المنامة"؛ خوفاً من عودة الاسلام المحمدي الأصيل للحياة الرادع العملي القوي لمخطط بني صهيون في "الاسلاموفوبيا" التي نشروها في بلاد المسلمين بفضل سياسة "الفوضى الخلاقة" للشيطان الأكبر وبأموال بترول دول السعودية وأخواتها وباعتراف وزيرة الخارجية الأميركية "هيلاري كيلنتون" في كتابها «خيارات صعبة».
رغم أننا نعيش عصر العولمة لكن وبغية التصدي للهجمة الثقافية الشرسة التي استهدفت الأمة ورسالتها ومعتقداتها نجد هناك حاجة ملحة وكبيرة لتكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجاد بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الأمة وقيمها السماوية، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطور التقني الحديث.
ومن بين أهم المعتقدات التي أستهدفها الأعداء على طول العصور والقرون الماضية ومنذ اللحظة الأولى لسقيفة "بني ساعدة" وحتى يومنا هذا هو حقانية خلافة وولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأبنائه المنتجبين عليهم السلام أجمعين عبر استهدافهم لحديث الغدير المبارك لرسول الله (ص) متوسلين بذلك بجهلاء القوم ومنحرفيهم وكذابيهم ووعاظ السلاطين وهواة الدنيا ومالها ومفاسدها .
حديث الغدير هو الدلالة الواضحة لولاية وخلافة أميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يتمتع بأهميّة بالغة لدى جميع المسلمين خاصة المحققين ورواة الحديث والتأريخ. وللأسف الشديد حیث البعض منهم قد وقع أسير الدنيا ودينارها والجذور الفكرية المسوسة والمتصدأة التي أستورثها من تلك الفترة العصيبة بالنسبة الى ولاية علب أبن أبي طالب (ع) الالهية، حيث نراهم يتخبطون ويزورون عقائد المسلمين فتارة يقبلون سند الحديث ويشككون في دلالته، واُخرى يشككون ومن دون علم بنفس السندالذين يروونه من كبارهم وكتبهم ومساندهم وصحاحهم التي تؤكد صحة الحدث والحديث والنزول والبلاغ وبيعة وتهنئة كبار الصحابة والمبشرين بالجنة أمام حشود عشرات آلاف الحجيج في حجة الوداع سنة 10 للهجرة المباركة؛ وإذا بالقوم ينكثون عهدهم ومبايعتهم بعد نحو شهرين حباً وطمعاً وعبادة للسلطة والقوة والمال والجاه .
واقعة الغدير وخطبة الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع خطبةٌ تاريخية أجمع عليها كل فقهاء المسلمين والمؤرخين من العامة والخاصة، وقد ذكرها رواة الحديث على اختلافهم بالاجماع (كتاب الغدير للشيخ عبد الحسين الأميني). حيث أختلف البعض في تفسير الخطبة ولكنهم اتفقوا على ما جاء بها من إن الامام علي (عليه السلام) هو المقصود بتلك الخطبة دون غيره.. وإنهم اتفقوا عليها ولم يذكر أي واحد من المسلمين أن الخطبة جاءت في غير علي (عليه السلام)؛ واضعاً رسول الله (ص) النقاط على الحروف من خلالها لتكون أول وصية يوصي بها الأمة للتمسك من بعده :-
1- جعل الرسول (ص) للامام علي (ع) المقام الذي جعله الله سبحانه وتعالى له.
2- إن النبي (ص) أراد بالمولى الامام ولا غير - أخرجه الامام احمد بن حنبل في مسنده ج 1 ص 119.
مشكلة القوم مع علي أبن أبي طالب عليه السلام هو أنه مع الحق والحق معه أينما دار - مستدرك الحاكم: كتاب معرفة الصحابة رقم (4686و 4735)، والهيثمي: مجمع الزوائد - كتاب الفتن أعاذنا الله منها - باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما - الجزء :7 ص 234 رقم (12027و12031)، والجزء:9 ص135 رقم (14768و14769)، والطبراني: المعجم الكبير- باب الفاء رقم (15048و18410و18573و18703)، وإبن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الفتن رقم (59) وفي المطالب العالية - كتاب المناقب رقم (4045)، وأبن عساكر: تاريخ مدينة دمشق- الجزء42، والآجري: الشريعة - كتاب فضائل أمير المؤمنين علي رقم (1538) وعشرات آخرين غيهم لا يتسع المقال لذكرهم جميعاً؛ لكن القوم كانوا يريدون منه أن يمزج قليلاً من الحق مع كثير من الباطل حتى يسمحوا له بتنفيذ وصية خاتم المرسلين (ص)، لكنه (ع) رفضاً بالاطلاق ذلك وكان يقول: "ما ترك لي قول الحقّ من صديق.. وما ترك لي الحق صاحباً" حديث يحوي بلاغة بالمعنى ومعنى بليغ في آن واحد، وكان (ع) يرفض أن يحبّه النّاس على حساب المبادىءو كانت مشكلته أنه يتحرك من موقع الحقّ، ولهذا عاداه النّاس لأنّه وقف مع الحقّ، فكيف يمكن أن نقترب إليه بعيداً عن الحقّ؟؟.
قالوا انها كلمة قلناها وبيعة أطلقناها ستضيع في أزقة مكة والمدينة ويتناساها الناس وسط معمعة رحيل الموصي بها (ص) الى جوار ربه، ونتمسك من بعده بحيلة دينية نلبسها حلة قرآنية "وأمرهم شورى بينهم" - الشورى: 38، نزيف من خلالها الحقيقة وما من إحد يجرؤ على تكذيبنا ونحن الكبار مجتمعين على العهد في "سقيفة بني ساعدة" نتوارث السلطة فيما بيننا بحيل وتزوير للدين وأحكامه؛ متجاهلين إرادة الله سبحانه وتعالى " يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" - التوبة: 32، ووعي وإيمان الصحابة الخلص من بينهم الذين بقوا متمسكين بشجرة النبوة والامامة وقدموا الغالي والنفيس في ذلك الطريق حتى يومنا هذا، ما أزعج ويربك أئمة الجور والطغيان والتوارث السلطوي ليتوسلوا بأنهار من دماء الأبرياء للبقاء في الحكم، والعراق وسوريا واليمن والسعودية والبحرين خير شواهد في عصرنا الحاضر التي تتعارض ورسالة النبوة السمحاء الداعية للعيش السليم والآمن لجميع أبناء الأمة وبصورة متساوية في اطار أحكام السماء .
مما لا شكّ فيه أن مسألة الغدير، بكل إيحاءاتها وإشاراتها، تركت آثارها العميقة في الكيان الاسلامي العام، واستطاعت في كل تفاعلاتها وكل المواقف السلبية والايجابية منها أن تختصر التاريخ الاسلامي في حركة التنوع والاختلاف والصراع ومن أهم خصوصياته انه لا مجال للعذر مرة أخرى بعد ان تم إكمال الدين على يد الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) حيث أتمها بولاية امير المؤمنين وأهل بيته (عليهم السلام). وهنا يكون رسول الله (ص) قد بلغ رسالته الربانية كما ذكرها ونقلها كبار علماء ورواة العامة من ابن عساكر في تاريخ ابن عساكر ج2، وابن المغازلي: المناقب ص31، وابن كثير: تفسير القرآن ج2 ص15 والبداية والنهاية ج5 ص209، والآلوسي: روح المعاني ج4 ص282، والسيوطي: تاريخ الخلفاء ص169، والطبري: ذخائر العقبى ص67، والذهبي: التلخيص ج3 ص109، واليعقوبي: تاريخ اليعقوبي ج1 ص422، والنيسابوري: ثمار القلوب ج2 ص906، والسمهودي: جواهر العقدين ص236، والنسائي: فضائل الصحابة ص15، والخوارزمي: المناقب ص156، وابن طلحة الشافعي: مطالب السؤول ص4، والشهرستاني: الملل والنحل ج1 ص16، وابن خلدون: المقدمة ص246 وعشرات آخرين منهم لا يسع المقال لذكرهم جميعاً .
https://telegram.me/buratha