يعتبر الدين الاسلامي الحنيف شؤون قيادة الأمة من مهام الامامة، ومن هذا المنطلق نجد أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(ع) وحتى الامام الحسن العسكري(ع) حملوا لواء المعارَضة للسلطات الطاغية والفرعونية الحاكمة، ونادوا بالعمل في كتاب الله عزوجل وسُنَّة النبي(ص).
كما انهم عليهم السلام اتَّخذوا أساليب مختَلفة لمواجهة الانحرافات التي اجتاحت الأمة الاسلامية وسعوا كثيرا من أجل احياء القيم الحقيقية للاسلام المحمدي الاصيل وقدموا الغالي والنفيس وتحملوا أشق المعاناة كالملاحقة، والسجون، والقتل، والتنكيل والاسر وغيرها من أجل ذلك.
الامام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام الذي نعيش اليوم الثامن من ربيع الثاني ذكرى ولادته، هو أيضاً وعلى خطى آبائه الكرام عانى ذات المعاناة في طريق ارشاد الامة ومكافحة الظلم والانحراف والعمل على ابقاء الرسالة المحمدية قائمة ما بقي الدهر.
انفرد عليه السلام دون غيره من الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم السلام أجمعين في حمله لعبء اعداد الأمة لعصر الغيبة وامامة ولده الامام المهدي الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف في وقت قصير جداً وظروف بالغة الخطورة وقمع دموي للحكام العاباسيين الطغاة آنذاك.
عاصر الامام الحسن العسكري(ع) فترة حرجة من الصراع مع السلطة العباسية، تميزت بتراخي قبضة الخلافة على السلطة، وتصعيد الضغط والتضييق على الامام المعصوم (ع) وقاعدته الشعبية، لخوفها من تعلق الناس به. لهذا، عاش(ع) تجربةً مريرةً مليئةً بالمعاناة، كانت تهدف الى عزله عن الناس، والحد من أي نشاط قد يقوم به. حيث أن الحياة السياسية للدولة العباسية منذ خلافة المنصور وحتى خلافة المعتمد كانت قائمة على أساس القمع والإرهاب بصورة عامة، وللعلويين بصورة خاصة.
عاصر الامام الحسن العسكري(ع) مجتمعاً تسوده حياة البذخ واللهو في قصور الخلفاء العباسيين وانصارهم واعوانهم، يقابله في الوقت نفسه مجتمع العلويين وانصارهم حيث تسوده حالات الفقر، والجوع، والمرض، والارهاب، كما هو الحال في الكثير من البلاد الاسلامية اليوم.
فكان من الطبيعي أن يتصدى الامام الحسن بن علي الهادي(ع) لسياسة السلطة المستبدة والطاغية لحكام بني العباس والتي عمدت خلال حكم سلطة المعتز، والمهتدي، والمعتمد، الى اتباع سياسة التضييق على الامام (ع) ومواجهته.
وفي ظل تلك الظروف العصيبة كانت هناك مهام أساسية اخرى تنتظر الامام(ع) باعتباره حلقة الوصل بين عصري الحضور والغيبة بكل ما يزخران به من خصائص وسمات، الأمر الذي دفع بسلطة بني العباس الى اتخاذ اجراءات مراوغة تجاه الامام العسكري(ع) تضليلاً للامة حيث اقدموا على تقريب الامام(ع) من البلاط والتظاهر باكرامه في العلن فيما زادوا من المراقبة الشديدة والمستمرة لكل أحوال الامام(ع)، الى جانب الايعاز باتخاذ الصرامة في مواجهة الامام العسكري(ع) إذا تطلّب الأمر ذلك مثل سجنه أو مداهمة بيته أو اغتياله عليه السلام.
رغم كل تلك المعاناة المريرة بذل الامام العسكري تبعاً لوالده الامام الهادي (عليهما السلام) جهدا مضاعفا لتخفيف اثار اعداد الأمة للغيبة وتذليل عقباتها على مختلف الصعد فكرياً وذهنياً ونفسياً وروحياً وفي وقت قصير جدّاً من امامته القصيرة جداً (ما بين سنة 254الى سنة260للهجرة) حيث اقام نظام الوكلاء اولئك الذين كان قد عيّنهم لشيعته في مختلف مناطق تواجد شيعته. فكانوا حلقة وصل قوية ومناسبة ويشكّلون عاملاً نفسيّاً ليشعر أتباع أهل البيت باستمرار الارتباط بالإمام وإمكان طرح الأسئلة عليه وتلقي الأجوبة منه. فكان هذا الارتباط غير المباشر كافياً لتقليل أثر الصدمة النفسية التي تحدثها الغيبة لشيعة الامام (عليه السلام).
وهكذا تمّ الاعداد الخاص من قبل الامام الحسن العسكري(ع) للشيعة ليستقبلوا عصر الغيبة بصدر رحب واستعداد يتلاءم مع مقتضيات الايمان بالله عز وجل وبرسوله (ص) وبالأئمة الكرام (ع) وبقضية الامام الموعود (عجل الله تعالى فرجه الشريف) العالمية والتي تشكل الطريق الوحيد لانقاذ المجتمع الانساني من أوحال الجاهلية التي لا يزال يعيشها.
https://telegram.me/buratha