عبد الكريم آل شيخ حمود
قراءة متأنية لأهم فقرة في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر.
«وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم ، وابتلاك بهم» – علي بن أبي طالب،
نهج البلاغة.
منذ أن خلق الله الخلق ، وأرسل الرسل والأنبياء،داعين الى عبادة الله الواحد الأحد
واتباع نهج الأنبياء والصالحين من خيرة خلقه،وهم أولياء الله،الذين أودع الله عندهم حفظ رسالة الانبياء ،في وضع الشيء في موضعه،وهو مايعرف عند أهل الكلام بالعدل ، هذا المفهوم تندرج تحته مصاديق عديدة،منها إعطاء كل ذي حق حقه،رفع الحيف والظلم عن الناس،أنصاف الرعية من قبل الحاكم أو ولي الأمر - سمه ماشئت - لتسود شريعة الله في عباده ولتعم حالة الأمن الإستقرار بين الناس.
الإمام أمير المؤمنين عليه السلام،في عهده لواليه على مصر مالك الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه؛وضع دستورا الهياً يرسم الخطوط العريضة بين الحاكم والمحكوم ،وهو يصلح في كل زمان ومكان؛فوضع الرحمة والمحبة للرعية حجر الأساس في سلم تكليف الحاكم في تولي زمام الأمور؛واغلظ في أن يجعل الحاكم لنفسه سدا نفسياً بينه وبين المحكومين.
والذي يعرف في أبجديات الحكم (هيبة السلطان) او النظرية الميكافلية ،كما هو معروف.
الأمر الآخر الذي حذر منه أمير المؤمنين عليه السلام،هو التصرف بحقوق الناس وكأنها مُلك الحاكم يتصرف به كيف يشاء وأنا يشاء، فيغمط حق الناس ويوسع في دائرة ملذاته وشهواته ؛فيخمط مال الناس خمط البعير لنبتت الربيع.
فوصف الناس بصورة كليه عامه في عهده لأي حاكم ،الى صنفين:
الصنف الأول
الذين يتفقون مع الحاكم في الدين والعقيدة فاعطاهم صفة الإخوة؛لانها متلازمة مع الدين لاتنفك عنه.
والصنف الثاني
هم أبناء الإنسانية عامة حتى لو أختلف مع الحاكم بالدين ، أو مايعرف بأهل الذمة من أهل الكتاب ، وكذا من لادين لهم يدينون به.
في الفقرة الأخيرة من كلام الإمام عليه السلام،هي أن يستشعر الحاكم العفو والصفح عن الخطأ والزلل الذي يصدر من الرعية،الذي به يمكن أن يمتحن به سعة صدر الحاكم أمام المحكومين ،فهم بشر يخطئون ويصيبون وتعتريهم حالات التهاون والخطل،كما يعتري الحاكم نفس الحالات ،فينظر لما فوقة ومنزلته التي هيه تكليف الهي وليس تشريف،فهو يحتاج ويحاكم ويخاصم ويقف موقف المذنب المقصر أمام جبار السماوات والأرض.
ما أحوج متولي أمر الناس في عصرنا الحاضر، الى الإستئناس بهذا الكلام عالي المضمون والمحتوى الإلهي الذي كتب بيراع إمام العدل وسيد الأوصياء،ليكون حجة على كل من يتولى أمر الناس مهما علت أو تدنت منزلته.
فسلام على أمير المؤمنين ،واضع أعظم نظرية للحكم التي حددت العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
https://telegram.me/buratha