بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين..
تشرّفنا في يوم الخميس الموافق (11/ ذي الحجة عام 1439هـ) بزيارة المرجع الأعلى سيدنا المفدّى السيد السيستاني (دام ظلّه الشريف) وتوجهنا اليه بطلب توصيات ابوية لنا ولعموم خطباء المنبر الحسيني بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام، فتفضل علينا بهذه الكلمات النورانية المفعمة بروح العناية والغيرة والحرص على الدين، وحفظ موقعية المنبر الحسيني في أداء رسالته الخطيرة وقد أفاض (دام ظلّه الشريف) في الحديث في نقطتين:
النقطة الاولى :
في بيان دور المنبر الحسيني وخصوصاً في أيام موسم محرم الحرام، وافاد ان رسالة المنبر تتلخص ـ بالإضافة الى ذكر ما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) في نشر الدين وترسيخه في عقول المسلمين وقلوبهم من خلال بيان المعارف القرآنية ودفع الشبهات بالأدلة الوافية المقنعة وتربية نفوس المؤمنين على الورع والفضيلة والقيم المثلى.
وهذا بعينه هو الدور الذي أناطه الله (عزّ وجل) برسوله (صلى الله عليه وآله) الذي هو أول من ارتقى المنبر في الاسلام، وقد شرح القرآن لنا دوره في قوله (عزّ وجل):﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ﴾ حيثُ اشارت الآية الكريمة الى ان الرسالة النبوية - التي كان المنبر اداة فاعلة لتبليغها - ترتكز على ترسيخ الدين بتزكية النفوس وتنقيتها من أدران الظلمات والامراض الروحية والاخلاقية وعرض معارفه القرآنية وغرس الحكمة في القلوب بمصاديقها المتنوعة علماً وعملاً.
كما ان الهدف الأسمى للحركة الاصلاحية التي قام بها سيد الشهداء (سلام الله عليه) هو حفظ الدين وترسيخه مقابل المنهج الاموي الذي كان قائماً على هدم ركائز الاسلام وقيمه كما يظهر من شواهد كثيرة تعرف بمراجعة النصوص التاريخية. فقد قامت نهضته (صلوات الله عليه) في مواجهة ذلك المنهج الخطير، وكانت رسالته وتضحيته من اجل أسمى هدف وهو حفظ الدين عن الزوال والانحراف، وفي اعتقادي انه لولا تضحية الامام الحسين (عليه السلام) بتلك الصورة العظيمة في تلك المرحلة العصيبة لم يبق للإسلام أثر يذكر لأن المخطط الاموي كان متقناً ويقرب من الوصول الى اهدافه، وبما ان المنبر الحسيني هو امتداد ليوم الحسين (عليه السلام) فدوره ووظيفته تتمحور حول الدين ترسيخاً ودفاعاً وتعليماً وتربيةً.
النقطة الثانية :
إنّ من أجلى مصاديق حفظ الدين وترسيخه في العصر الحاضر هو التصدي لدفع الشبهات المطروحة في مقابل الدين ومعارفه الاصيلة وقيمه الاخلاقية، ولكن ينبغي رعاية عدة أمور في هذا المجال:
الأمر الاول:
ان يكون الخطيب المتصدي لدفع الشبهات متضلعاً في هذا الباب متسلحاً بالخبرة ووفرة المعلومات، والا فان ما يفسده بتصديه ربما يكون اكثر مما يصلحه. والمنبر هو من أهم الوسائل المتاحة لدفع الشبهات عن العقيدة الحقة، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)مضافاً الى التصدي لبيان المعارف والتعاليم الدينية يقومان على المنبر بدفع الشبهات التي كانت في اذهان بعض المسلمين لقرب عهدهم بالجاهلية او كانت تطرأ على اذهان البعض منهم تأثراً بأفكار دخيلة على المجتمع الاسلامي، ومن هنا تتبين أهمية دور المنبر الحسيني من حيث انه امتداد واستمرار لرسالة المصطفى والمرتضى (صلوات الله عليهما وآلهما) مما يقتضي ان يكون مرتقي المنبر ذا كفاءة وجدارة وأهلية علمية.
الأمر الثاني:
ان الشبهات على نوعين: فبعضها رائج ومشهور، وبعضها مطروح ولكن ليس بمتداول الا في نطاق محدود، ومن المناسب بل اللازم التصدي بشكل مباشر لدفع الشبه المعروفة في اوساط الناس، واما الشبه غير المتداولة على نطاق واسع فليس من الحكمة استعراضها وشرحها في اوساط العامة بل الصواب في علاجها أن يؤسس المبلّغ الديني بصورة محكمة للمضمون الذي به تندفع الشبهة عن اذهان من وقفوا عليها، من غير حاجة لذكرها والتعليق عليها.
الأمر الثالث:
ان من المعلوم ان لكل مقام مقالاً، ولذا فان على الخطيب ان يلاحظ المستوى الذهني والثقافي للمتلقين للخطاب بالمباشرة ام بالواسطة فلا يطرح من المعارف الدينية الا ما ينسجم مع المستويات الذهنية للمستمعين ويعتني بصياغة الشبهات وتوضيح الجواب عنها بمقدار نفوذها في اذهانهم، وقد ورد عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله): ((إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ))..
الأمر الرابع:
لا بد من أقصى الاستفادة من معين علوم أهل البيت (سلام الله عليهم)المأثور عنهم بالطرق المعتبرة والمصادر الموثوقة، وقد ورد عنهم (سلام الله عليهم) ((إِنَّ النَّاسَ لَوْ عَلِمُوا مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَاتَّبَعُونَا)) وتشتمل محاسن كلامهم على منظومة فكرية متكاملة متنوعة المضمون كالقرآن الكريم، ففيها من روائع الحكم ومعالم الاخلاق وإثارة دفائن العقول ودفع الشبهات ما ينير الانسان المسلم ويجعله واثقاً بعقيدته ودينه، وذلك هو مقتضى كونهم الثقل الثاني للقرآن بصريح حديث الثقلين وغيره. فعلى الخطيب الحسيني أن يهتم بهذا الجانب في خطابته كما عليه أن يهتم بذكر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وما جرى عليهم في فاجعة كربلاء لما لذلك من تأثير بالغ في بقاء هذه القضية حية في النفوس.
نسأل الله تعالى أن يوفق جميع الخطباء لأداء دورهم على الوجه الاحسن ويسدد خطاهم في ترسيخ الدين وتزكية نفوس أهله إنه سميع مجيب.
السيد منير الخباز
https://telegram.me/buratha