أمل الياسري
أصعب مشروع في الحياة هو التربية، وخاصة تربية الأمة والجماعة على الشريعة، وتعويدها على الخضوع مع حاكمها لخالقها، وهذا ما ينطبق على حقيقة ما جرى في طف كربلاء، فلقد أراد الإمام الحسين (عليه السلام)، أن يهب للمجتمع الإنساني نماذج مشرفة في التربية الربانية، التي قاتل بها هو وأولاده وأنصاره، لمواجهة الدكتاتورية الفاسدة لحكم يزيد وأزلامه وأعوانه، وأثبت للبشرية جمعاء أنه مع علمه بموتهم جميعاً وسبي عياله، لكنه كان لا يرى الحياة مع الظالمين إلا برماً.
سويعات حمراء في عاشوراء من محرم الحرام عام (61 للهجرة)، كانت الحد الفاصل بين إحياء الأمة على يد معسكر الحق والفضيلة، وبين إماتة الملة على يد شراذم الفسق والرذيلة، والنتيجة أن الأجساد مضرجة بالدماء، والرؤوس فوق الرماح، لكن كل أسلحة آل سفيان لم تنفع مع تلك الأنوار المحمدية العلوية، التي لم تنجسها الجاهلية بمدلهمات أنجاسها، فكان الكلام البلاغي والبكاء الهاشمي الشامخ، السلاح الأخطر والأقوى لتدون عقيلة الطالبين الحوراء زينب (عليها السلام)، ملحمة خالدة بإسم كربلاء.
شخصية الإمام الحسين(عليه السلام)،كانت وما زالت تقف على الضفة الإيجابية الصحيحة، من دفات التأريخ الإنساني، ففعل ما رآه صحيحاً لتثبيت أركان الدين،(ففديناه بذبح عظيم)،وتعامل مع أصحابه بمنتهى الإنسانية، وإلا فقد كانت ليلة العاشر من محرم مكاشفة للشهادة، لأنهم يعلمون ما سيجري عليهم، ورغم ذلك فقد بذلوا مهجهم دون الحسين، مؤكدين بأنه لايمكن أن تذبل مواقفهم كونهم بجوار الباريء عز وجل، والحق إنه ليوم مهيب ورهيب، أن تسكت كل الأجساد، لتتكلم كربلاء بحكاية الدم والدمع الحسيني.
لو أن كل الرجال إلتزموا منهج الحسين(عليه السلام)، ولو تشبثت كل النساء بالسيدة الحوراء(عليها السلام)، لأصبح المجتمع إنسانياً قوياً، قادراً على مواجهة كل التيارات المنحرفة والمستبدة، ولكان تجرع مرارة السجون، والشهادة، والصبر، أكثر حلاوة من الدنيا وما فيها، كونها طريق للجنة والآخرة، وبما أننا لم نعش واقعة الطف الأليمة، بل نتلمس شعائرها دوماً، فكل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء، و أقل ما يقال عن أصحاب هذه الملحمة: يصعب إيجادكم كما يصعب ترككم، لكنه يستحيل نسيانكم.
https://telegram.me/buratha