عبد الكاظم حسن الجابري
كان الإمام الحسين عليه السلام, ذائبا في الله, منصهرا بعبادته, لا يرى شيئا إلا ورأى الله فيه وقبله وبعده.
جسدت حركته عليه السلام هذا البعد العقائدي الديني بأدق تفاصيله, ورسم المولى أبو عبد الله طريقا واضحا, للعمل وفق ما يرضي الله, والابتعاد عن الأنا, في كل حركة وسكنة يقوم بها الفرد.
توضحت هذه الخصال -الثقة والتوكل والرضا بالقضاء- منذ أول ايام حركة إمامنا الحسين عليه السلام, فقد رد عليه السلام على من قال له عند تجهيزه للسفر, لماذا تأخذ النساء والأطفال معك؟ فقال سيدنا أبو عبد الله "شاء الله أن يراني قتيلا ويراهن سبايا"
هذا الكلام لعمري هو كلام نافذ البصيرة, العارف بحقيقة الوجود, والباذل نفسه في مرضاة الله, فإمامنا الحسين عليه السلام ينفذ أمر الباري بكل تسليم.
كل حركة من حركاته عليه السلام, كانت تجسيدا للتوكل والثقة بالله, والرضا بقضاءه فها هو بأبي وأمي, يصرح في خطبته عند الأنطلاق قائلا: "الحمد لله و ما شاء الله, و لا قوة الا بالله؛ و صلى الله علي رسوله و سلم, خط الموت علي ولد آدم, مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما أولهني الي أسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع أنا لاقيه, كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس و كربلاء؛ فيملأن مني أكراشا جوفا، و أجربة سغبا, لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر علي بلائه و يوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله صلي الله عليه و آله لحمته، هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقربهم عينه؛ و ينجز لهم وعده؛ فمن كان باذلا فينا مهجته، و موطنا علي لقاء الله نفسه؛ فليرحل، فاني راحل مصبحا، ان شاء الله."
نعم إنها الثقة المطلقة, وتوطينا للنفس على البلاء, لأن ما من بلاء إلا وعاقبته خيرا, وهو لا يخرج عن حكمة رب العالمين.
كذلك جسد أهل البيت المرافقين للحسين عليه السلام, وكذلك أصحابه هذه الثقة قولا وفعلا, فعندما هوَّمت عينا المولى أبي عبد الله عليه السلام, وأنتبه مسترجعا, قال له علي الأكبر عليه السلام, أبه لما إسترجعت؟! قال بني رؤية رأيتها, كأن قائل يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير معهم, فقال علي الأكبر عليه السلام أبه أ ولسنا على الحق؟ فقال نعم قال إذا لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا, هذا كلام علي الأكبر عليه السلام على صغر سنه إلا إنه كلا نابع عن عقيدة راسخة وثقة مطلقة بالله.
زينب عليها السلام أيضا جسدت هذه الثقة بالله والرضا بقضاءه, حين قال لها ابن زياد لعنه الله كيف رأيتي صنع الله بأخيك الحسين؟ فقالت ما رأيت إلا جميلا, نعم إنه الصنع الجميل الذي أحيا الرسالة الإسلامية, وصحح مسارها بعد أن حاولت العصابة الأموية تحريفها.
وهذه الامر جسده من لبى نداء الواجب, وتطوع فداءا للوطن, تحت راية الفتوى العظيمة للسيد السيستاني, فصبر المجاهدون وصبرت عوائلهم, محتسبين ومستلهمين الصبر والرضا بالقضاء والتوكل على الله من ملحمة الطف الخالدة.
https://telegram.me/buratha