نساء عاصرنَ الأئمة وعشنَ أبداً/30
أمل الياسري
ليلة موعودة تحيطها العناية الإلهية برعايتها، في النصف من شعبان، وحمل سري لم تعلن علاماته، وسط عائلة علوية كانت تعيش الإقامة الجبرية، لكي تبقى تحت رقابة عيون الخليفة العباسي، الذي كان يحاول منع ولادة مثل هذا الطفل، حيث سيقود ثورة ضد الطغاة والجائرين، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فمَنْ هذه السيدة التي تشرفت بحمل منقذ الأمة وقائمها، الحجة المنظر أرواحنا لمقدمه الفداء؟
سيدة جليلة تميزت بالشجاعة، والصمود، والحكمة، والكتمان، لدورها الكبير في القضية المهدوية، فمثل حمل السيدة نرجس (عليها السلام)، كمثل أم موسى لا يظهر حملها إلا وقت الولادة، ولتضليل عيون بني العباس ومراقيبهم، تعددت أسماؤها (ريحانة، صقيل، مليكة، خمط وأشهرها نرجس)، لتفويت الفرصة عليهم في النيل من المرأة، التي ستلد صاحب الأمر والزمان قائم آل محمد(صلواته تعالى عليهم)، وقد بشرت مراراً بهذه المكانة الرفيعة، نعم إنها السيدة نرجس بنت يشوعا.
نرجس بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، والدتها نصرانية من نسب شمعون، أحد حواري السيد المسيح (عليه السلام)، وقعت في الأسر في معركة عمورية، التي إنتصر فيها المسلمون، وروي أن السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام)، زارتها في المنام فقالت لها: (هذه أم زوجك أبي محمد)، وأشارت الى الزهراء (عليها السلام)، وقد دعتها للإسلام لتجعل نفسها في معرض الأسر، كي تصل الى بيت الإمام علي الهادي(عليه السلام).
أمر الإمام علي الهادي (عليه السلام) بشرائها، فأعطى كتاب إبتياعها، بلغة رومية وخط رومي لخادمه كافور، الذي أعطاه لها وقال: (ناولها الكتاب فإن تأملت منه أخلاق صاحبه، ومالت إليه فأنت وكيلي بشرائها)، فلما نظرت في الكتاب وضعته على خدها، وبكت بكاء شديداً فقلت تعجباً: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟! فأجابت: (أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم)!
أكملت السيدة نرجس (مليكة) حديثها، بأنها رأت في تلك الليلة، السيد المسيح وشمعون وعدة حواريين، قد إجتمعوا في قصر جدي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وإرتفاعاً، فدخل عليهم محمد (صلواته تعالى عليه)، مع فتية وعدة من بنيه، فيقوم اليه المسيح فيعتنقه ويقول:(يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون) فنظر المسيح فقال: (ها قد آتاك الشرف، فصلْ رحمكَ برحم رسول الله قال: قد فعلتُ)!
عاصرت السيدة نرجس الإمام علي الهادي، الذي زوجها لإبنه الإمام الحسن العسكري (عليهم السلام)، لما بان عليها من العفة والشجاعة، حيث كانت تمتنع عن الظهور للتعرض للبيع، وترفض أن يمسها أحد، من الراغبين في الشراء، أوصى عمته السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد، بتعليمها السنن والفرائض، وقال لها:(سيظهر حجة الله بليلة النصف من شعبان) فقالت: ومَنْ أمه؟ قال: نرجس فولدت الإمام الثاني عشر، محمد المهدي صاحب الأمر والزمان (عليه السلام).
السيدة نرجس كانت جليلة القدر، رفيعة الشأن بين نساء عصرها، فقد واجهت أمر ما يكون عليه ولدها منقذ الأمة، بالكتمان، والصبر، والشجاعة، حتى تحملت سجن الحاكم العباسي لأكثر من عام، فأنكرت وجوده، فلما تأكدوا من عدم حملها أطلقوا سراحها، وبعد حياة مليئة بالتقى والصمود والعطاء، توفيت السيدة نرجس (عليها السلام)، ودفنت في ضريح زوجها، الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فسلام عليكِ أيتها الطاهرة التقية النقية.
https://telegram.me/buratha