أمل الياسري
لم تنتهِ واقعة كربلاء في العاشر من محرم الحرام، بإستشهاد الأمام الحسين (عليه السلام)، وأخيه أبي الفضل العباس، وأولاده، وإخوته، وأنصاره، (رضوانه تعالى عليهم)، بل أن الواقعة بدأت بنهاية، معركة إنتصار الدم على السيف، بشجاعة حيدرية وسط رؤوس طاهرة، كنهر لا ينضب من العطاء المستمر، في الإصرار والإقدام، إنها ملحمة مسير ركب السبايا الى الشام!
حكاية متفجرة من الألم والصبر، من كربلاء الى مجلس الطاغية يزيد عليه اللعنة، وكل حروفها تنطق بآه واحدة، لفقدان سبط بنت نبي الامة، (صلواته تعالى عليه وعلى أله)، وفي مقدمة الركب الحسيني، الإمام زين العابدين، وعمته السيدة زينب (عليهما السلام)، في قصيدة لوعة تكسر خواطر الكلمات، وتقف خجلة من فعل الزمن اليزيدي الأسود، وزمرته الفاسدة!
ساقية تمر ببستان في منطقة بعلبك اللبنانية، فشكى صوت طاهر في منام لصاحب البستان، وتكرر المنام وهي تصرخ: حوّلها عن قبري، إنها تؤذيني، وبقربي غصن سرو زرعه أخي ليدل عليّ، فمياه الساقية آسنة، فأسرع الرجل الموالي الى أحد سادات آل النقيب، وقدم معه فحولوا مجرى الساقية، وحفروا مكان القبر، فإذا به جسد طفلة غضة طرية!
مزار مبارك يئن ألماً وشوقاً الى أهلها في كربلاء، والى عمتها في الشام، إنها طفلة الحسين خولة (عليها السلام) إستشهدت بعد سقوطها من ناقة هزيلة، ومرضت اليتيمة من الليالي الشاقة، التي أمضاها ركب الصمود الحسيني، فدفنها أخوها زين العابدين، ووضع الى جوارها غصن شجرة سرو، ليعرف قبرها الشريف، ما تزال نابضة بالحياة، رغم موت جذورها!
يا لثارات الحسين! أي دم في كربلاء سفكا! وأي جسد فيها دفنا! وأي بيت أمتحنه الباريء عز وجل، في مسيرة سبي تفرق فيها، أيتام الركب المحمدي الأسير، بين رقية الشام، وخولة بعلبك، ورضيع كربلاء، حتى رجوعهم الى فاطمة العليلة بالمدينة المنورة، فالسجاد بين قبور البقيع، إنها النفوس الراضية المرضية، أصلها في السماء، وفروعها في الأرض!
لقد غيرت شكل بكائها، وحولت مسيرة دموعها، وألمها، الى لوحة رثاء، وبقاء للكرامة الأبدية رغم غربتها، فأمست أميرة في بعلبك، وتكلمت قبتها، وشجرة سرو زرعت بجانبها، وهي تنبض بالشموخ الكربلائي، فما زالت مورقة مع مرور مئات السنين، ولها كرامات لا تعد ولا تحصى، فهي إبنة الشهيد، التي تبركت أرض بعلبك، بوجود جزء طاهر منه فيها!
https://telegram.me/buratha