صادق كاظم
تظل قصة استشهاد الامام موسى الكاظم (ع) واحدة من الماسي التاريخية المحزنة والمفجعة التي حفلت بها سير اهل البيت العظام نتيجة لدورهم القيادي للامة وتصديهم للباطل والظلم والانحراف . لقد واجه الامام محنة السجون الطويلة والعديدة والتي مر بها على فترات متباعدة طوال حكم خلفاء بني العباس الذين وجدوا في شخصية الامام وقيادته الروحية للمجتمع المتكئة على ارث نبوي واضح خطرا يهدد مكانتهم ونفوذهم وسلطتهم فكان القرار باستهداف الامام والتضييق عليه وادخاله الى السجون في النهاية من اجل عزله عن المجتمع وجعله في مجاهل النسيان وتفكيك القواعد الشعبية والاجتماعية التي كانت تجد في الامام رمزا ونموذجا لها . المواجهة مع الامام كانت قرارا سياسيا عباسيا واضحا ومبيتا فهذه الطغمة الحاكمة التي احتكرت الثروات والاموال وعاشت بترف ونعيم وبنت لنفسها القصور واسست الجيوش الكبيرة والجرارة لحماية نظامها لم تكن عادلة مع ابناء شعبها ,حين حولتهم الى فقراء وجياع وخلقت فجوة واضحة من الطبقية بين فئات المجتمع الذي كان يعيش على قمته الخليفة والامراء وحاشيته من القواد وكبار موظفي الدولة والقاع الذي كان يحتله عامة الشعب من المهمشين والمسحوقين من الفقراء الذين كانوا يعيشون في ظروف اقتصادية وماساوية عنوانها الفقر وشظف العيش والحرمان . كانت التفاوت الطبقي واحتكار الثروة والسلطة والاموال واضحا ايام الحكم العباسي الذي كان حريصا على القضاء على اي نوع من المعارضة والانتقاد للحكم وكان الامام واحدا من الاهداف التي حرصت الدولة العباسية على محاولة القضاء عليه .
كان الامام (ع) حريصا من خلال دوره الرسالي على بعث روح الامل والمقاومة لدى الامة والتصدي للانحراف والباطل الذي كانت تمثله السلطة العباسية وممارساتها القمعية والاجرامية بحق الناس الابرياء في سلوكيات لم تكن تختلف كثيرا عن سلوكيات الدولة الاموية التي قامت على انقاضها ,حيث كان ينقل وصاياه من خلال الدعاة والاتباع السريين والتي كانت تؤكد اولا على الوحدة والتكاتف بين ابناء الامة الاسلامية والى ضرورة التصدي للباطل والاستبداد والطغيان الذي كانت تقوم به سلطة بني العباس التي كانت ترفع الشعارات المزيفة عن قرابتها من النبي وانتسابها اليه من اجل ان تمنح لنفسها مشروعية كاذبة لممارسة السلطة وتبرير الجرائم والانتهاكات التي كانت تقوم بها .
لم يرضخ الامام لسلطة بني العباس التي كانت تحرص على انتزاع تاييد منه لسلطتها وتبرير جرائمها,اذ كان برفض سلوكياتها ويدين تصرفات قادتها المخالفة للدين ولنهج الرسول (ص) التي كانت تخلو من مفاهيم العدل والرحمة والانسانية التي تعهد خلفائها بالعمل بها حين تحالفوا في البداية مع العلويين لتفجير الثورة ضد حكم بني امية قبل ينقلبوا على العلويين ويرتكبوا المجازر بحقهم وينفردوا بالسلطة لاحقا .
الامام موسى الكاظم (ع) كان كجده الامام الحسين(ع) نموذجا قياديا ومشروعا لثورة تنتفض ضد الظلم والباطل والانحراف مع تغيير الظروف وسط الرقابة العباسية المشددة عليه التي لم تكن تسمح للامام بالحركة والانتقال بين البلدان لجمع الاعوان والتحشيد للقيام بالثورة ,بل اخذ يقوم بكل ما يستطيع وما تسمح به الظروف من نقل التوجيهات والخطب الى ابناء الامة من اجل ان يسترشدوا بها لمواجهة ما يعانون ويقاسون منه من ظلم وجور والذي كانت تمارسه حكومة بني العباس .
لقد ترك الامام لنا مدرسة عظيمة من الاخلاق والتسامح ونبذ التعصب وحب الخير للناس ما تستحق ان تكون مثالا ومنهجا نقتدي به اليوم ,حيث كان يقابل جميع من اساء اليه بالمحبة واللين والرفق وعدم اللجوء الى العنف والانتقام ,حيث كان يرد على تلك الاساءات بسلوكيات اخلاقية رفيعة جعلت منهم يشعرون بالخجل امام اخلاق الامام وتسامحه وكرمه معهم ,فضلا عن طالبي الحاجات من الناس الذين كانوا يقصدون منزله طلبا للمساعدة ,حيث لم يكن الامام يبخل عليهم بما يحتاجونه فضلا عن دعائه لهم والتشفع لهم عند الله لقضاء حوائجهم حتى اصبحت تسمية باب الحوائج واحدة من الاوصاف والالقاب المعروفة اليوم عنه .
ان اقامة شعائر زيارة الامام موسى الكاظم (ع) والحشود المليونية لتخليد الذكرى السنوية لوفاته انما تاتي من السعي والاصرار على التمسك بنهج الامام الذي تحدى اقسى ظروف السجن والاعتقال التي وصلت الى احتجازه في طوامير تحت الارض لسنوات طويلة لم تزد الامام الا صبرا ورسالة واضحة بان التمسك بالمباديء والسير في نهج الحق هو الخلود الحقيقي والطريق الذي يجب ان نسير فيه مهما كانت التضحيات .
https://telegram.me/buratha