وقفت على قمم شموخ الاسلام المحمدي الأصيل أتصفح أوراق تاريخه الظافرة والخالدة واستقرئ سطور اسباب البعثة النبوية الشريفة وما آلت اليه حتى يومنا هذا، لأجد الفرق الشاسع بين أسباب الولادة والاستمرارية والبقاء ليس بدافع الدين الحنيف وإنما جراء التحريف والتزوير الذي قام به الحكام الطغاة وفراعنة كل عصر من أحفاد الطلقاء لضمان مصالحهم الوجودية في مسند السلطة الظالمة والكافرة مستعينين بغطاء الدين السميح البريء من كل أعمالهم ونواياهم.
لقد كانت البشرية قبل بعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في السابع والعشرين من شهر رجب عام 13 قبل الهجرة والمصادف يوم 10 أغسطس/آب عام610 ميلادي، تعيش الضلالة والظلامة والجهل والشرك والبغي والمقت والإستبضاع وأصحاب الرايات، والإلحاد التام على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب ونهزة الطامع وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، يشربون الطًّرَق، ويقتاتون الورق، أذلّة خاسئين، يخافون أن يتخطّفهم النّاس من حولهم... تحتاج الى من ينقذها وينتشلها مما هي فيه.
وكان الجهل فاشيًا، والظلم جاثمًا، والفوضى ضاربة بأطنابها في كل مكان، حقوق مسلوبة، وأعراض منتهكة، وحياة بغير نظام ولا قانون، ولا تشريع ولا تنظيم، والعادات والأعراف القبلية كانت تسيطر على الأوضاع، حياة لا أمان فيها ولا استقرار ولا عدالة ولا مساواة، واعتداء القوي على الضعيف، كما هو الحال في عصرنا هذا حيث الاستعباد والظلم والطغيان والتمييز، كل ذلك من أجل السلطة والحكم بما تشتهيه النفس الامارة بالسوء.
فجاءت البعثة النبوية المباركة رسالة الانسانية وكرامتها ومنشورها الألهي والهداية الكبرى ودين السماحة والرأفة والمودة والمحبة والأخوة والعدالة والمساواة وهدى الخالق المتعال المتواصل في كل زمان ومكان، بشموليته لكل شؤون الحياة الكريمة لتعيد للانسان كرامته وعزته ومكانته العالية التي من أجلها خلقه الله سبحانه وتعالى.
إنها منشور الرشد الانساني وإكتمال عناصر الوظيفة التي خلق من أجلها الإنسان للقيام بدور الخلافة على الأرض، حيث إختار الله سبحانه وتعالى أكمل خلقه للقيام بهذا الاعلان عبر إبلاغ البشرية آخر رسالات ربهم اليهم والرسول الأعظم (ص) كان لابد أن يكون أكمل البشر ليقوم بأعباء هذه المسؤولية الكبرى فهو إذ يؤدي الى الناس أكمل رسالات ربه لابد له أن يكون النموذج البشري الكامل من حيث تمثله الكامل لهذه الرسالة والتجسيد التام لها ليكون بعد ذلك نموذجًا وقدوة للناس من جهة وحجة عليهم من جهة أخرى.
واليوم وبعد أن مضي أكثر من 14 قرنًا على البعثة النبوية المباركة نرى أن العنف والحروب تكتسح مرة اخرى العالم الاسلامي لأتفه الأسباب، فتزهق النفوس، ويعتقل الاحرار، وترمل النساء، وييتم الأطفال والدعوة قائمة للعودة الى عبادة الأصنام والأوثان السلطوية كما كان الحال على عهد الجاهلية حيث كان العرب يعيشون سلطة القبيلة وتسلط الأسياد والأقوياء على الفقراء والعبيد، وكان المجتمع المكي مجتمعًا يتكوّن من عدة طبقات متميزة؛ ليعيد أحفاد من أسس لذلك النظام الطبقاتي الظالم والحاقد الكرة اليوم ويسلطوا سيوفهم على رقاب العباد ليرغموهم على التبعية العمياء لسلطتهم العميلة حيث ليسوا بأصحاب القرار فيها حتى بأبسط ما يخصهم.
هاهم أتباع أمية الطلقاء وأحفاد هند آكلة الأكباد وأبي جهل وأبي لهب وعقبة بن أبي جهل وعقبة بن أبي معيط كبار قادة العداء للرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين لم ولن يتريثوا من فعل كل ما بوسعهم لردع الرسالة السماوية السمحاء وقتل خاتم الأنبياء (ص) وأتباعه وشيعته وأنصاره… يعيدون الصورة ذاتها اليوم في مساعيهم بعودة الأمة الى جاهلية المقت والوثنية وعبودية غير الله سبحانه وتعالى ويعيثون في الأرض فساداً كما أشار الباري المتعال بذلك في محكم كتابه الشريف وفي أول سورة أنزلها على خاتم أنبيائه ورسله للبشرية جمعاء حيث حذرنا سبحانه وتعالى من طغيان الانسان على أوامره ويقف دون تحقيق هدى رب العالمين، حيث اشار اليها سبحانه جل وعلا بأنه قد استغنى، فقال: "كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى، أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْدًا إِذَا صَلَّى …" - سورة العلق، الآيات: 6 الى10 .
ومنذ عهد بزوغ شمس الاسلام المشرقة والوضاءة والحاقدون الناقمون على العدالة السماوية والوحدانية أمية الطلقاء وأتباعهم وأحفادهم والسائرين على نهجهم وحتى يومنا هذا، أعداء الله وخاتم رسله يعملون جاهدين على تحريف صرح الدين القويمدين الرأفة والمحبة والمودة والتعايش السلمي، بوعاظ سلاطينهم وتزوير اعلامهم وتضليل الناس بادعاءاتهم المسخة “التمسك بالكتاب والسنة” متجاهلين “حديث الثقلين” ومحاربين وناقمين على كل من يتمسك به وصولاً الى الصراط المستقيم والعدالة السماوية والمساواة الربانية وما أن ينطق الناس بذلك حتى يلاقوا حتفهم في ظلمات السجون وامام محاكمات صورية طائفية كما يجري في البحرين، أو إستباحة دمائهم وأعراضهم ومقدساتهم بتفخيخهم وحرق الأخضر واليابسة وتدمير بلاد المسلمين، وإشاعة حروب الردة التكفيرية بفتاوى الوهابية الإرهابية كما تجري طيلة سنين ضد الشعب العراقي المظلوم وشقيقه السوري المقاوم وكذلك الشعب اليمني الفقير؛ أو في مواجهة حصار سياسي اقتصادي ظالم ضد الشعب الايراني الأبي ليعيش ما عاشه بني هاشم في شعب أبي طالب، أو فتن خبيثة ضد هذه الطائفة وتلك تشهدها بين الحين والآخر لبنان ومصر وأفغانستان وغيرها من البلاد الاسلامية بسياسة "فرق تسد" للصهيونية العالمية ينفذها حكام آل سعود ومن يلف لفهم موروثياً أموياً عربياً مالاً وأداة وعدة وعتاداً.
"ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى ابْنَتُهُ" – من خطبة سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام المعروفة بالخطبة الفدكية [فتوح البلدان، ج1، ص35؛ المغانم المطالب، ص 312؛ عمدة الأخبار، ص394؛ وفاء الوفاء، ج3، ص999؛ معجم البلدان ج4، ص238؛ كتاب بلاغات النساء لابن طيفور، ص:23، والاحتجاج، ج:1، من ص:97 الى ص:107؛ مسند فاطمة، ص:557؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج :16، ص:211ـ249؛ وعوالم الزهراء، ص:467؛ والمجلسي في بحار الأنوار، ج 8، ص: 114وج:43، ص:148].
https://telegram.me/buratha