لم يشهد تاريخ الخلق على طول إمتداده وآلاف سنينه ملحمة أروع وأسمى وأرفع مما سطره الامام الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته عليهم السلام وأصحابه الميامين في يوم عاشوراء عام 60 للهجرة ليرسم بذلك صرحاً ونهجاً ومدرسة للاباء والتضحية والفداء التي أدت الى انتصار الدم على السيف والحق على الباطل والمظلوم على الظالم والطاغية والحقيقة على التحريف والتزوير.
لازال الصرح الذي رسمه سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي يصادف اليوم الثالث من شعبان المعظم ذكرى ميلاده المبارك والميمون؛ يصدح في ربوع المعمورة وأضحى مناراً وضاءً يهتدي به جميع الأحرار والمقاومين في كل مكان ولن يقتصر على المسلمين الشيعة لوحدهم ليسطروا الملاحم والانتصارات الواحدة تلو الآخرى بل تعدى حدود حتى العالم الاسلامي وتمسك به غير المسلمين ايضاً ليحققوا ما كانوا يصبون اليه طيلة عقود بل قرون طويلة في الحرية والاستقلال.
فلا تزال صرخة "غاندي" مؤسس الهند الجديدة ورائد مسيرة استقلالها تكتسح الـتاريخ وتدوي في سماء الذين ينشدون العيش السليم والحرية والاستقلال والعزة والكرامة وهو يقول:"لقد طالعت بدقة حياة الامام الحسين، شهيد الاسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء وإتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلابد لها من إقتفاء سيرة الامام الحسين"، ويضيف:"لقد تعلمت من الحسين كيف أعيش مظلوماً فأنتصر" .
ينقل التاريخ موقفاً للامام الحسين (عليه السلام) في بداية عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والحسين إذ ذاك لتوه يتخطى العقد الأول من عمره.. يروي أبن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة) عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين: حدثني الحسين بن علي(ع)، قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر (العسقلاني: ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص77 الطبعة الأولى 1992م دار الجيل- بيروت).
أما "محمد علي جناح" مؤسس دولة باكستان، فقال هو الآخر:"لا تجد في العالم مثالاً للشجاعة كتضحية الامام الحسين بنفسه وأعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذو حذو هذا الرجل القدوة الذي ضحّى بنفسه في أرض العراق".
فمدرسة سيد الشهداء ونبراس الأحرار (ع) هي مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الانسانية وقيمها ومقياس الحق.. ومن هذا المنطلق نرى ان الشعوب التي تمسكت بهذا النهج القويم والصرح العظيم بلغت ذروة الانتصار والاعتلاء ، فها هي الثورة الاسلامية المباركة التي تجاوزت عقدها الرابع رغم كل مكايد الأعداء مرفوعة الرأس شامخة الى عنان السماء يشهد العدو قبل الصديق بتطورها وتقدمها وصمودها لتمسكها بمدرسة الامام الحسين عليه السلام في التضحية والعزة والكرامة وقدوة الأخلاق الانسانية وقيمها ومقياس الحق، كما رسم نهجها الامام الخميني /قدس سره/ والذي قال في هذا المضمار "كل ما لدينا من عاشوراء".
كما اننا نرى الإمام الحسين(ع) في عهد الخليفة عثمان، قد التحق بالجيش الإسلامي، للفتح في أفريقيا، وكان الجيش بقيادة عقبة بن نافع بن عبد القيس، وعبد اللَّه بن نافع بن الحرث، وفيه جماعة من الصحابة، كعبد اللَّه بن عباس، وابن عمر، وابن جعفر، والحسن(ع) والحسين(ع) الى جانب مشاركته (ع) في حروب المسلمين مع الفرس في طبرستان وجهاتها، والجيش بإمرة سعيد بن العاص(الحسني: هاشم معروف، سيرة الأئمة الاثني عشر ج2 ص16 دار التعارف للمطبوعات- بيروت 1990م).
وما الانتصارات الباهرة التي تسجله المقاومة الاسلامية في لبنان ومجاهدو محور المقاومة في الدفاع عن المراقد المقدسة في سوريا والعراق على الإرهاب الداعشي التكفيري الوهابي السلفي الإجرامي، وماسجلته فئة قليلة من أبناء الضاحية لحزب الله من ابطال المقاومة الاسلامية اللبنانية على عدو مدجج بالسلاح كان يقال عنه "انه لا يقهر" وأرغموه على الهروب والتقهقر في ظلام الليل الدامس عام 2006 وتغطي بذلك على كل الذل والهوان والاستهانة والمهانة والركون والركوع التي كانت تعيشها الأمة العربية طيلة ستة عقود لسجل قادتها الفاشل والمنهزم، ماهي إلا صورة اخرى من انتصار الدم على السيف لسبب تمسك هذه الشلة المجاهدة بمدرسة العز والمكرامة والتضحية والفداء لأبي الأحرار عليه السلام .
المقاومة الفلسطينية هي الاخرى تعلمت جيداً هذا الدرس وحققت خلال معاركها في السنوات الأخيرة على كيان الرعب والاحتلال والإجرام الصهيوني مالم تحققه القضية الفلسطينية طيلة أكثر من 60 عاماً، من أنتصارات ميدانية عسكرية وأمنية الى جانب تأليب الرأي العام العالمي ضد الكيان الغاصب والمحتل وتآزره مع الحق الفلسطيني المغصوب ليعيش الكيان اللقيط حصاراً سياسياً وعزلة عالمية لم يشهده من قبل وتتجه الشعوب العالمية حتى الأوروبية منها في مقاطعة هذا الكيان المحتل وقاتل الأطفال علمياً واقتصادياً دعماً ومساعدة للشعب الفلسطيني الأعزل.
ثم الانتصارات الباهرة التي يسجل شباب اليمن المؤمنين رغم قلة حيلتهم ومعداتهم العسكرية على قوى العدوان العربي والأجنبي المتصهين بقيادة آل سعود وآل زايد وأميركا وبريطانيا المدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة والتي لاتتوانى من إرتكاب المجازر ضد الأبرياء والعزل، حتى ظل العالم يسمع عويل وصرخات الإستغاثة من المتجاوزين والمعتدين ملتمسين إيقاف الحرب، ماهي إلا نتيجة تمسك القوات اليمنية الشريفة واللجان الشعبية بقيادة الحوثيين بمدرسة العز والكرامة والإباء الحسيني، حيث النصر آيل الى جانب المظلومين في اليمن عما قريب بعون الله تعالى .
وسيسجل الشعب البحريني المظلوم والأعزل المتمسك بالمدرسة الحسينية في القريب العاجل هو الآخر انتصاره بمشيئة الله تعالى وقدرته على نظام آل خليفة الطائفي والاحتلال الوهابي السعودي الخليجي رغم ما يملك من قوة سياسية وعسكرية واقتصادية رغم كل مساعيه للالتفاف على ثورة الكرامة والعدل والمساواة بخطابات صورية وهمية لا تعالج مشاكل البلد الحقيقية، الى جانب مساعيه القمعية التمييزية الطائفية.
الثورات العربية والاسلامية وحتى غير الاسلامية ما كانت لتشهد نور النصر والاستقلال والحرية ما لم تتمسك بمنهجية ومدرسة الامام الحسين بن علي عليهما السلام في التضحية والفداء والعزة والكرامة، كما وصفها "وليم لوفتس" الآثاري الانكليزي: "لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الانسانية، وأرتفع بمأساته الى مستوى البطولة الفذة" أو كما قال "جون أشر" الباحث الغربي الشهير: " إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الإستشهاد في سبيل العدل الإجتماعي..".
https://telegram.me/buratha