مصطفى الهادي.
ما فتأ اعداء الإسلام يشنون هجومهم منذ بزوغ فجره متهمين القرآن شتى الأتهامات منها أنه نسخة كوبي عن التوراة والإنجيل أو إنه من إملاء بحيرا الراهب او هو هلوسات وكلام فارغ ، ولكننا في الفترة الأخيرة رأينا توجها نحو القرآن لإثبات بعض ما جاء في المسيحية ولم تكن قضية البحث فردية بل شملت مجموعة محترمة من مستشرقي وعلماء لاهوت ورجال دين كبار، وعلى ما يبدو أن عملية بحثهم كانت مضنية وذلك لأن بحثهم لم يتطرق إلى الآيات القرآنية الواضحة التي نزلت في عيسى وأمه الصديقة مريم والتي تتحدث بشكل واضح عن نبوته وإنه نبي رسول بُعث في أمة بني إسرائيل.
بل عمد هؤلاء إلى البحث في آيات أخرى اضطروا فيها إلى ليّ ذراع هذه الآيات بقسوة بالغة مستخدمين طرق ملتوية. ومن هذه الآيات تلك التي تتحدث عن (ليلة القدر) ونزول القرآن والملائكة فزعموا أن هذه الآية تثبت نبوة عيسى عليه السلام وأن المقصود بليلة القدر هي ليلة (الدنح) التي تتعلق بيوم تعميد عيسى في نهر الأردن حيث انفتحت السماء ونزلت الملائكة لتحف به زاعمين أن هناك اشارة أخرى في الكتاب المقدس تُشير إلى أن هذا اليوم خير من الف من الأيام.
فما هي قصة (الدنح) أو ليلة القدر في الكتاب المقدس؟
كتب القس بنان في موقع أليتيا (aleteia.org/ar) تحت عنوان : (نداء إلى جميع المسيحيين ... ليست ليلة القدر بل ليلة عيد الدنح!!) . فقال : ( ليلة القدر عند المسلمين، هي ليلة في شهر رمضان، يؤمن المسلمون أن أولى الآيات القرآنية قد أنزلت فيها. وهي تعد ذا أهمية عظيمة عندهم، حيث ورد في القرآن أنها خير من ألف شهر أمّا لدى المسيحيّين فقد درجت لدى بعضهم، في العالم الإسلاميّ، إطلاق تسمية ليلة القدر على ليلة (عيد الدنح) حيث يعتقد كثيرون أن من يشاء تحقيق أمنية، يمكنه أن يقيم نذراً في هذه المناسبة، فإذا كان مؤمناً حقّاً، تحقّقت أمنيته بمشيئة إلهية ). (2)
ويقول الخوري كامل : (لاهوتيّاً عيد الدّنح، عيد الظور الإلهي، وهو عيد الغطاس يكتسب معناه من كلمة دنحُا في اللّغة السريانيّة التي تعني الظهور، أي الظهور الالهي، حيث الابن يعتمد على يد يوحنا، والروح القدس يحل عليه بشكل حمامة).(3)
في عموم الموضوع فإن المسيحية تتحدث عن سماء مفتوحة، لبداية عهد جديد مرتبط بقدوم المسيح لهذا العالم فيستندون على دليل من الإنجيل يقول فيه المسيح : (الحق الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان).(4) ثم يقولون بأن هذا النص شبيه نص القرآن الذي يقول تتنزل الملائكة والروح فيها.
أما تعليقهم على قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر).(5) فيقولون أن (الهاء) في أنزلناه ضمير متصل يُشير إلى شخص فإما أن يكون الأمين جبرئيل او شخص آخر. فليس هناك دليل على أن الضمير (ه) يعود إلى محمد أو إلى القرآن ، بل أن النص يُشير وبوضوح إلى نزول الملائكة والروح وهذا النص له شبيه في الإنجيل وهو (انفتحت السماء ونزلت الملائكة والروح على شكل حمامة).وكذلك قوله سلام هي حتى مطلع الفجر يُشير إلى المسيح رسول السلام والمحبة ، أن الآية بطريقة ما تتحدث عن ليلة الميلاد.
فإذا كانت ليلة القدر بهذه الأهمية عندكم ، فلماذا لم ترد كلمة (القدر) في التوراة والانجيل ولا مرة واحدة؟!
وقد جزم كل من لولينغ وباستي وساني ولوكسمبيرغ بأن السورة 97 تتحدث في واقعها عن ليلة الميلاد . ويستندون في دعواهم على أن بحيرا الراهب علّم محمدا سورة القدر . ثم وفي عملية خلط عجيب يقولون بأن الآية (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقدارهُ خمسين ألف سنة).(6) فيقولون أن هذا المقطع قريب من نص في سفر المزامير في التوراة يقول فيه : (لأن يوما واحدا في ديارك خير من ألف).(7) ولا أدري ما هو الربط بين النص التوراتي ، ونص الإنجيل الذي يتحدث عن ميلاد المسيح وبينهما الفين عام.
الاشكالات على زعمهم هذا هي : أن الدنحَ او عيد الغطاس يتعلق بغفران الذنوب بطريقة التعميد ــ التغطيس بالماء ــ ونص الإنجيل واضح جدا في أن اليهود جاؤوا إلى يوحنا ليُعمدهم ويغفر لهم خطاياهم ولكن الغريب أن السيد المسيح أيضا جاء ووقف مع الخطاة المذنبين إلى أن وصله الدور فتم تغطيسه بالماء لتتم عملية محو كاملة لذنوبه وهذا ما نراه في نص متى حيث يقول : (خرج إليه أورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأردن، واعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم. وجاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه).(8)
فإذا كان يسوع خالي من الدنس والذنوب كما تقولون وأنه ابن الله ، او هو الله وأنه إنما جاء ليغفر خطايا الناس ، فكيف يتم تعميده مع الخطاة المذنبين المجرمين ؟ كما يقول النص : (واعتمدوا منه معترفين بخطاياهم). (9) فالسيد المسيح كان واقعا في الخطية ولكن في مجيئه الثاني سيكون بلا خطايا كما يقول بولص (هكذا المسيح أيضا، ... سيظهر ثانية بلا خطية).(10)
يضاف إلى ذلك أن عملية التعميد (الدنح) تمّت في وضح النهار بعد الظهر ، بينما الآيات القرآنية تتحدث عن ليلة وليس نهار فيقول القرآن : (ليلة القدر). ناهيك عن الخلط المخزي في احتساب ليلة القدر هل هي ليلة ميلاد المسيح كما يقول لولينغ وباستي وساني ولوكسمبيرغ، أو هو يوم التعميد (الدنح) كما يقول الخوري كامل حيث انفتحت السماء ظهرا.
المصادر:
1- في قاموس المعاني عربي عربي :دَنَحَ : طأْطأَ رأْسَه ، دَنَحَ : ذلَّ . والدَّنْحُ : عيدٌ للنصارى ، ويسمى عيد الغِطَاس. أما مسيحيا فإن (الدنح كلمة سريانيّة تعني الظهور والإشراق التي تعبّر عن المعنى اللاهوتي الحقيقي لعيد الغطاس، عيد اعتماد الرّب يسوع في نهر الأردن من يوحنا المعمدان، ويعتقد المسيحيون أن السماء في ليلة عيد الدنح تكون مفتوحة والله يستجيب الطلبات والدعوات في هذه الليلة المباركة).
2- مقال للسيّد نقولا طعمة في العدد ١٢٢ من جريدة الأخبار، السبت ٦ كانون الثاني ٢٠٠٧.
3- الخوري كامل كامل في نشرة عيد الدنح 2016، في موقع القبيّات الإلكترونيّ.
4- إنجيل يوحنا 1: 51.
5- لعل الذي اوحى للمسيحية انها تزعم ذلك هو الحديث الوارد عن رسول الله (ص) الذي يقول: (أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان). ولكن المشكلة أن الإنجيل لايذكر اي خبر عن نزول الإنجيل، كل ما وجدناه هو أن بولص يقول بأن الله سوف يُحاكم العالم حسب إنجيله ــ أي الإنجيل الذي جاء به بولص ــ كما نقرأ : رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 16 (في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي).
6- سورة المعارج آية : 4. والذي يُفند ادعائهم في أن ليلة القدر هي ليلة ميلاد المسيح ، او يوم تعميد المسيح ، إننا إذا جمعنا هذه الآية (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) إلى هذه الآية: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) تبين أن ليلة القدر في رمضان، وهذه الليلة حسب الروايات الصحيحة نزلت فيها الكتب السماوية في الأديان الأخرى كما مرّ . وفي معنى ليلة القدر قال بعض العلماء المراد بالقدر التقدير، لأنه يقدر فيها ما يكون في السنة لقول الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة مباركة .. فيها يُفرق كل أمرٍ حكيم).سورة الدخان:3-4. فبيّن تعالى أن هذه الليلة يُفرق كل أمرٍ حكيم ، اي يتم تقدير ما يكون للانسان في قادم سنته.
7- سفر المزامير 84: 10.
8- إنجيل متى 3: 6 ـ 13.
9-إنجيل متى 3: 6.
10- رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 9: 28
https://telegram.me/buratha