محمد مكي آل عيسى
تمر علينا أحداث كبرى نتأثر بها تأثراً شديداً منها مايكون تأثيره سلبياً . . نقلق . . نفزع . . نتفاجأ . . أو ربما إيجابيا ً نفرح . . نطمئن . . نستقر
ونختلف في تحليلنا لهذه الأحداث . . فمرة ننسبها لله كالظروف الطبيعية , ومرة ننسبها للإنسان وتدخّله فيها كالحروب والأزمات . . ومرة يختلط علينا الأمر فلا ندري من الله هي ؟؟ أم من الإنسان ؟؟
كالظرف الذي نعيشه حاليا من تفشي هذا الوباء بالضبط.
وبما أن الله قد خلق الإنسان مجبولاً - مفطوراً بخلقته - على البحث عن العلل والأسباب فيبقى التساؤل يدور في ذهنه محاولاً أن يجد النتيجة التي ترضيه . . فالعلم مبدأ تسلّط وقدرة . . إذا عَلِمَ تَمَكَّنَ
والمؤمن برب مدبّر حكيم لا يرضى بأي تعليل يخالف عقيدته
والمؤمن على حرف - ضعيف الإيمان - قد يتخلّى عن إيمانه عندما يفشل في إيجاد التعليل الذي يتناسب مع ايمانه
واليوم ونحن نواجه ظرفاً أو ظروفاً ليست بالهينة علينا , لا بد لنا من أن لا نقف موقف المتفرّج لا بد لنا من أن نكون فاعلين مؤثرين . .
خلقنا الله مكرّمين بالعقل والإرادة والاختيار لنضع بصمتنا على الأرض ولنكون سبباً في إنجاح مشروعه تعالى بعد أن نكون مصداقاً واقعياً للخليفة .
فمن غير المعقول أن ننهزم أمام ظروف صعبة تمر بنا بل ولا حتى أن نقف مكتوفي الأيدي . . علينا أن نفهم كيف تجري الأمور لنعرف ما هو دورنا فيها .
لقد خلق الله النشأة الدنيوية وجعلها مسيّرة بنوعين من الأسباب النوع الأول الأسباب الظاهرية التي اعتدناها ونتعامل معها دائماً وتعتمد على قوانين العلوم الطبيعية كالفيزياء والطب والكيمياء والاحياء وغيرها
أما النوع الثاني من الأسباب هو النوع الذي لا نألفه . . ولم نعتد عليه . . الأسباب غير العادية التي لا يمكننا تفسيرها وفق العلوم التي ذكرناها في النوع الأول فنحن نجهل كيف أن صلة الرحم تطيل العمر ونجهل كيف أن الصدقة تدفع البلاء ونتوقف عند القاعدة التي تقول مانقص مال من صدقة لأنها تخالف علم الرياضيات وكيف أن الدعاء يدفع البلاء وهكذا
وعلى كل منا أن يعلم بأنه كأنسان له دور مهم في تفعيل النوعين المذكورين من الأسباب
ولنعود مرّة أخرى الى محل ابتلائنا والى الوباء الذي نواجهه
ليس مستبعداً أن يكون للإنسان دور في صنع أو تطوير أو نشر هذا الفايروس عمداً أو جهلاً فقد قلنا أن إرادة الإنسان إنما لديها القدرة على تفعيل الأسباب العادية الظاهرية
وفي كل الأحوال فإن هذا الوباء وانتشاره إنما بعلم الله وبإذنه وليس بخارج عن سلطانه وقدرته وكل ما يجري هو بعين الله
حاله كحال أي ظرف نمر به قد ينال الطالح وقد ينال الصالح أيضاً . . نعم
كالحرب والزلازل والفيضانات تصيب أهل الشر وأهل الخير . . تصيب الكافر والمؤمن
فمن أصيب بها لا يعني أنه غير مؤمن وأن الله قد غضب عليه أبداً ولا يعني أن كل من أصابته هو غير مرضي عنه من قبل الله .
ولا يعني الحط من شأن أو قدسية من يصاب بذلك سواءً كان فرداً أم مجتمعاً أم مدينة
فالحرب أخذت الحمزة و جعفراً . . أخذت الحسين والعباس . . عليهم السلام فهل يقدح ذلك بقدسيتهم أو ينال منها ؟؟ أبداً
إنما هي إنظمة سببية يأذن الله لها أن تمضي لتكون للظالم عقوبة وعذاباً معجّلاً وللمؤمن رفعة ومغفرة للذنوب ولباقي الناس عبرة وتذكرة وتبصرة .
وماذا علينا أن نفعل ؟ ؟
علينا أن نواجه الأمر . . أن نقوم بتفعيل المنظومتين السببيتين :
الأولى الأسباب الظاهرية المعتادة بأن نسعى من خلال العلم لمواجهة هذا الوباء وذلك بتصدي العلماء الإنسانيين الغيورين على سلامة الأبرياء باستنفار طاقاتهم للبحث عن علاج أو مصل ضد هذا الوباء .
وكذلك ان نلتزم بتعليمات الجهات الطبية والبحثية بالتوقّي وبالامكانات المتوفرة من العزل الصحي والتعقيم وتقليل الاختلاط وغيرها
ولن تتفعل المنظومة الثانية الا إذا أفرغنا ما في وسعنا من العمل على تفعيل المنظومة الأولى , فأخذُنا بالأسباب الظاهرية جزء من تفعيل الأسباب غير الظاهرية فيرانا الله جادين فاعلين نسعى وندعو . . نقدّم ما بوسعنا وننتظر إفاضته جلّ وعلا . . وهي سنة من سننه عندما يأمر مريم { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيّاً } كان بإمكانه أن يسقط عليها الرطب من دون أن تهز النخلة لكنه أرادها ان تسعى وتبدأ هي ليعطيها هو
وأمره لأيوب النبي وهو مريض لايقوى { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } فكان بإمكانه جل شانه أن يشفيه من دون أن يركض . . لكن الله أراده أن يسعى ليشفيه هو. . وغيرها كثير إن تنصروا الله ينصركم . . لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . . استغفروا . . يرسل السماء . . وهكذا
فسعينا المادي جزء من علة توفيق الله لنا
أما المنظومة الثانية وهي الأسباب غير الظاهرية وغير المعتادة إنما يتم تفعيلها من خلال ما وردنا عن الصراط المستقيم عن الممثلين عن الجانب الإلهي عليهم السلام والمتحدثين عنه والناقلين لنا أحكامه من الدعاء وقراءة القرآن والتوسل اليه بأسمائه الشريفة ودفع الصدقة والحرص على الآخرين والتزام حدوده ونواهيه .
وكذلك الالتفات الى قلوبنا وصفائها وإخلاصها
نعم لتفعيل الأسباب غير الظاهرية غير المعتادة لسنا بحاجة لأفعال وأقوال فحسب بل نحن بحاجة لقلوب تسع خلق الله حتى يرى أحدنا أنه مسؤول عن البشرية كلها ويفكر فيما عليه أن يقدّم لها وكيف أن لا يتوانى في خدمة الناس الأبرياء اجمعين
وهذا من أهم مفاتيح أبواب الرحمة الإلهية فالله يستحي أن يرى في قلوب خلقه تلك الرحمة الواسعة وهو يحرمهم رحمته نعم يستحي أن يرى رأفتهم ببعضهم البعض ولا يكون هو الرؤوف بهم يستحي ان يرى قلوبهم مفعمة بحب بعضهم البعض ولا يحبهم هو .
هكذا يبتلي الله القلوب ليخرج منها أرفع الأفعال وصالح الأعمال
فإذا فعلنا ذلك تولّانا الله وإن تولّانا يعني أنه تولّى شؤوننا من كفاية وحماية ونصرة واغناء . .
إذا توليناه تولّانا والحقنا بجملة أوليائه { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
فلا خوف من شر مرتقب ولا حزن على أمر قد مضى
{ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
فلنتولَّ الله . . .
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha