كندي الزهيري
ان دين الإسلامي يحرص على بناء شخصية الانسان وكان ذلك واضح في تكريم آدم عليه السلام حينما امر الملائكة بالسجود له وعاقب من رفض الامر وهو (ابليس) ،هذا السجود ما هو إلا تكريم وتعظيم بهذا المخلوق ودورة المناط به في هذا العالم وحرصه على أن يكون الإنسان في اعلى قمة بين المخلوقات الاخرى .
إن جوانــب الشخــصية التــي نستخلــصها مــن جملــة تعــاليم الإســلام، جــاءت في ثــلاث مجموعات :
المجموعة الفطرية : في الجانب الجسدي ، والوجداني ، والعقلي ، والنزوعي ، والإرادي .
المجموعة الاكتسابية : وتتناول جانـب التعامـل مـع البيئـة الماديـة ، والتعامـل مـع البيئـة الاجتماعية
المجموعة الإيمانية : وهي تشمل ما ميكن أن نسميه الجانب الكوني والزمني .
وتحتكم هذه المجموعات الى الحدود المقررة من الحـلال والحـرام ، والمكـروه والمنـدوب ،
والواجب والمسنون ، والفروض والنوافل ، وغريها من الحقـوق والواجبـات المتـصلة بهـذه الجوانب تعني إ ، ولـيس انتقاصـا منهـا .
فقد اعترف الإسلام للجانب الجسدي بأهميته وضرورتـه واحترامـه مل يتركـه دون أن يكـون على علاقة سوية مع الوجدان ،فقد كف عنه الوجدان في حال مغالاتـه وحمقـه .. منـع عنه شهوة المرء إلى شرب الخمر ، لأن فيه اعتداء على جسده .
وكفه عن الوجدان في حـال ضـعفه وانهزامـه .. فعـلى الغاضـب – مـثلا – الغـضب حالـة وجدانية .
وحقق الإسلام للجسد اتزانا مع الجانب الاجتماعي في الإنسان ، فجسد المـسلم يستحق التكريم والرعاية من مخالطيه في صحته ومرضه وموته ، كـذلك وهـو يستهدف للعقوبة في حال ارتكابه لجرائم اجتماعية مثـل جرميـة الـسرقة ، أو جرمية الزنا، وهو من حقه ألا يتعرض للمـشقات التعـسفية الزائـدة عـلى حـد الجرميـة ، ماديـا أو معنويـا ، والتـي يقـدر عـلى إيقاعهـا بـه الأقويـاء تـشفيا أو تحمقـا أو استهتارا .
وحقق الإسلام للجسد تساوقا واتزانا مع البعد الزمني للشخصية .
منذ خلقه الأول ، وطاعته تبادلت التأثري والتأثر مع هذا الجسد ، والإنسان في قبره مكـرم ، والإنسان في آخرته يشرب من عين كانت سلسبيلا .
وحقق الإسلام للجسد أيضا مع الجانب العقلي في الشخصية ، فليس في الإسلام ذلـك النـوع من الرهبانية أو الحرمان أو التعذيب الذي يدعي أصحابه أنه يصل بهم إلى المعارف العليا ، والإنسان يستغل معارفـه العقليـة لكـسب الجـاه والمتعـة الحـلال ،يستغلها لكسب رضا الـلـه .
وفي التوازن مع الجانب الوجداني نكتشف اتساقه وتوازنه مع الجوانب الأخرى:
فعواطف المسلم متوازنة مع تدبري عقله ، وتدبر عقله متوازن مع عاطفة إيمانه، وعواطف المسلم ووجدانياته تجد المجـال فـسيحا صـحيا في أنـواع النـشاطات الاجتماعية حول الأسرة والوطن والمجتمع .
وعواطف المسلم تجد أنواعا من التعبير مختلفة في ممارسته لأنواع من العبادات مختلفة ،
وتأييد هذه العبادات وتؤتي أكلها إذا ما استثيرت لها الوجدانيات والعواطف.
وعواطف المسلم ترتبط في صورة شيقة أو مزعجـة مـع الامتـداد الزمنـي لشخـصيته ، مـع حياته في ماضيه ، في أصلاب أجداده ، ومع حياته في مستقبله في الدنيا المادي ، وعلى الأرائك في جنات النعيم ، وفي درك أسفل في نار الجحيم .
وفي التوازن مع الجانب العقلي نجد العقل في موضعه الصحيح في بناء الشخصية الإسلامية
وفقا للنظرة التكاملية المتوازنة ، هنا نجـد الإسـلام يخاطـب الشخـصية في تكامـل جوانبهـا جميعا ، وليس من شك في أن النزعة العقلية قوة أصيلة في الإنسان ، وركيزة هامة في بنـاء شخصيته ، ومن ثم لا تقبل الشخصية الإنسانية قمع هذه النزعة وإهدارها باسم الوجدان ، فـإذا حـدثت محاولـة لـذلك وقعـت الشخـصية في اضطراب .
ومن هنا كان لابد للعقل في التصور الإسلامي: أن يفسح له مجالات النـشاط كـضرورة تحتمهـا طبيعتـه ، لكنـه في نفـس الوقـت : عـلى العقـل أن "يعقل" مداه وطاقته ، فيقوم نشاطه – في مجال العقيدة الدينية – على أساس مبدأين لا مطعن للعقل فيهام :-
أولهما : أنه ليس من حق هـذا العقـل أن يرفض أصلا من أصـول الـدين يـدخل في دائـرة الإمكـان الـذهني.
وثانيهما: وفي الجانب الاجتماعي من الشخصية الإنـسانية فـإن الـصوم أكـرث هـذه العبـادات فرديـة وأوهنها صلة بالجانب الاجتماعي ، لذا نهتم هنا بالإشارة إلى هذه الصلة : من حيث هذه الفريضة فضيلة محاسـبة الـذات ، والتـدريب عـلى تقبـل الحرمـان مـام هـو مبـاح ، وتتطلب عادات اجتماعية معينة ، وتستلزم آدابا محمـودة ، وبـذا يكـون لهـذه الفريضة أثرها العميق في العلاقات الاجتماعية و أن لها عمقها الفردي على السواء .وكثـر مـن التـصرفات الاجتماعية تعتـبر في حـد ذاتهـا عبـادة : كإطعـام الزوجـة والولـد، وكإماطة الأذى عن الطريق .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشاط اجتماعي .وهذا من حديث الحكيم لقمان مـع ابنـه بـأهم الوصـايا التـي تجعـل الوصـايا الأخـرى تابعة لها ومتـصلة فيهـا، فيوجهـه إلى العقيـدة الـصحيحة والـسليمة، فينهـاه عـن الشرك، ففي الشرك ظلم عظيم للنفس البشرية، لأنه يحمـل كفـران نعمـة الخـالق سبحان الـلـه جل وعلى، فهل من منظومة تكـون شخـصية الإنـسان أعظـم مـن تلـك المنظومة.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha