حسن المياح ||
الله تعالى حين يبعث رسله ينزل كتابه معهم ( وأنزل معهم الكتاب ) , والمستفاد والمستوحى من هذا التعبير القرآني أن الإنسان الكامل والكتاب الإلهي يصدران من لدنه تعالى , ولكن التفاوت بينهما يكون من جهة أن الله تعالى قد بعث الإنسان الكامل وأنزل كتابه .
فالمحور في هذه المعية هو الإنسان الكامل , فالإنسان الكامل هو الأصل , لأنه الفيض الأول والسابق في الصدور من الله وهو خليفة الله وكلمته التكوينية, وأما الكتاب الإلهي فهو معية الإنسان الكامل والمتاخر عنه صدورآ وهو كلمة الله التدوينية .
فالفيض وإن كان بالمعية , إلا أن سبق وجود الإنسان الكامل المبارك يعطيه ميزة أكبر وأعلى , ودرجة قربى من الله تعالى أشرف وأفضل وأرفع من المخلوقات التي تأتي بعده , بإعتباره الصادر الأول وأول الفيض الإلهي , وذلك لأن الرتب الوجودية لمخلوقات الله ليست واحدة , وإنما بعضها يكون أقرب الى الله خالقها من بعضها الآخر من حيث أسبقية فيضه تعالى .
فالإنسان الكامل هو أول مخلوقات الله , وأن مصداق الإنسان الكامل في عالم الوجود هو الوجود المبارك للرسول الأعظم الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام المخلوقين مع محمد بن عبدالله من نور واحد . وهذا ما يستفاد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد أن ( أول ما خلق الله نوري ) , و ( أول شيء خلق الله ......نور نبيك ) , والأحاديث النبوية الشريفة الكريمة الأخرى التي تؤكد خلق علي وفاطمة والآل عليهم السلام من نفس النور الواحد الذي منه خلق رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله كثيرة ومتعددة , والذي يطلبها يجدها في كتاب بحار الأنوار , وعوالي اللآليء وغيرها من أمهات الكتب , التي تثبت وتؤكد أن خلق محمد وعلي والآل المعصومين عليهم السلام من نور واحد .
والآيات القرآنية التي تشير الى إتباع النور ( القرآن ) , كما في الآية رقم ١٥٧ من سورة الأعراف , إنما تشير الى النور الذي أنزل في معية الوجود المبارك للرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله .
والذي يعترض ويقول أن الله قد خلق النبي آدم عليه السلام بعد ما خلق الملائكة والسماء والأرض , وقبل أن يخلق الرسول محمدآ والآل عليهم جميعآ أفضل التحايا والسلام , هو كلام وقول صحيح من حيث الوجود المادي والعنصري لآدم عليه السلام في عالم الواقع , ولكن الوجود العقلي للإنسان الكامل هو السابق والمتقدم على خلق جميع المخلوقات .
وما يصدق ويصلح على الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله ينطبق على علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء سلام الله عليها وعلى الآل المعصومين مع فارق النبوة التي إختص بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .
فلما كان الإنسان الكامل ( محمد بن عبدالله ) هو الأصل , والكتاب الإلهي هو الفرع , فمنزلة علي بن أبي طالب عليه السلام والآل المعصومين عليهم السلام هي نفس وذات منزلة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله , حيث لا توجد حقيقة في عالم الممكنات أفضل من الصادر الأول الذي هو الإنسان الكامل بالذات والذين هم الرسول الأكرم محمد وعلي وفاطمة والمعصومون الأحد عشر إمامآ عليهم جميعآ أفضل الصلاة وأزكى التحايا والسلام .
والله تعالى قد فضل بعض الرسل والأنبياء على بعض عليهم السلام , وفضل رسوله الكريم نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله على جميع الرسل والأنبياء عليهم السلام , فإن هذا التفضيل المخصوص يشمل كذلك عليآ وفاطمة والآل المعصومين على الأنبياء عليهم سلام الله جميعآ , لأنهم ( عليآ وفاطمة والأئمة الأحد عشر معصومآ ) هم الإنسان الكامل والصادر الأول كما هو الحال في رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله .
وهذا التفضيل كذلك ينطبق على كتاب الله القرآن الكريم , ويشمله بالأفضلية على سائر كتب الإلهية المرسلة مع الرسل الكرام جميعآ عليهم السلام إذا قارناها مع بعضها , لأن مكانة كتاب أي رسول تتبع درجة خلافة ذلك الرسول .
وبما أن الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله هو أفضل الرسل والأنبياء عليهم سلام الله جميعآ , فالكتاب الذي أنزل معه وهو القرآن الكريم هو أفضل الكتب الإلهية التي أنزلت مع الرسل الكرام جميعآ عليهم سلام الله .
هذه هي مرتبة علي عليه السلام الوجودية المباركة , ودرجة أفضليته الزاكية , وهو الإنسان الكامل عليه السلام بعد رسول الله الأكرم الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله .
فحق للملك جبرائيل عليه السلام حين يعلن بصوته الهادر الغاضب عند إستشهاد علي عليه السلام ( والله لقد تهدمت أركان الهدى ) .
وما قام دين محمد وإستقام إلا بما أنفقته من مال وثروة ووجود , الطيبة الطاهرة المؤمنة خديجة أم المؤمنين حقآ زوج الرسول الأكرم محمد بن عبدالله عليه وعليها السلام , وبما لوجود علي عليه السلام ~ ورضي الله عنه وأرضاه , وكرم الله وجهه وجبهته من السجود لغير الله ~ من فاعلية وتأثير .
وحق لعلي عليه السلام أن يقول بكل ثقة وإيمان وعقيدة وسلوك وإقتدار ( فزت ورب الكعبة ).
وقد فاز علي عليه السلام , بأمي وأبي وبكل وجود وكيان .
ـــــــــ
https://telegram.me/buratha