عباس قاسم المرياني ||
كان ولا يزال وسيبقى الامام الحسين (ع) المثل الأعلى، والملهم الأول، والقدوة التي يقتدي به المصلحون والثوار ويستنيرون بنوره، وعندما نتحدث او نكتب عن ثورة الامام الحسين (ع) الإصلاحية لا نبغي ان نعرج بأحداثها ومواقفها، فقد تناولتها الكتابات بالشيء الكثير واخذت منها، وللحقيقة كل ما يُكتب عنها لا يعطي هذه التضحية الحقة حقها، فلم تكن ثورة فحسب بل رسالة إنسانية مكلمة لرسالة جده رسول الله محمد (ص)، لذلك سنتناول هنا الامام الحسين كثروة، ولا نعني بالثروة الجانب المادي، بل نعني الثروة الفكرية والقيمة العظيمة لهذه الشخصية التي كانت ولا تزال ينهل منها أصحاب القيم والمبادئ ولا تنضب، هذه الثروة التي غاص في اعماقها الكُتاب والمؤرخين، فبسبب الحسين (ع) عُرفوا هؤلاء، واصبح لهم شأن في المجال الفكري والتاريخي، فذاع صيتهم، ونالوا منزلة رفيعة، فخير شرف حين يكون الامام الحسين (ع) سبباً في الشهرة ورفعة المنزلة.
هناك العديد من الشخصيات سواء التاريخية، او الادبية، او حتى الثورية عُرفت من خلال الامام الحسين (ع)، ومن هؤلاء على سبيل المثال المؤرخ المشهور ابو مخنف الازدي (المتوفي 157هـ) صاحب كتاب (مقتل الامام الحسين)، فهذا الرجل الذي كتب لنا اول كتاب مختص بمقتل الامام الحسين (ع)، والذي اعتمده كبار العلماء والمؤرخين ومنهم الطبري وابن الأثير والجزري وغيرهم، ولكن هذه الثروة العلمية قد اختفت واندثرت ولم يبق منها سوى الشيء القليل, ومما قاله المستشرق فلهوزن في ابي مخنف: "وأعظم ما صنع أبو مخنف من حيث تقدير قيمة الروايات, هو أنه جمع طائفة كبيرة من روايات متنوعة، ومن أخبار الشيء الواحد مختلفة في مصادرها, بحيث يستطيع الإنسان أن يوازن بينها، ويعرف الصحيح المؤكد منها من غيره, وأبو مخنف قد توصل بذلك إلى أن صارت الأشياء الثانوية تتوارى, لأنها لا تظهر إلا مرة واحدة، كما صارت الأشياء الأساسية لا تزال تزداد بروزاً؛ لأنها تتكرر في جميع الروايات".
وعُد مقتل الحسين (ع) لابي مخنف من اهم كتب المقاتل نظراً لمعاصرته للحدث، واعتباره اول كتاب مختص بالمقتل. وعلى الرغم من الاختلافات حول الكتاب بسبب فقدان النسخة الأصلية منه، كما ذكر بعض المؤرخين ان هذا الكتاب دخلت عليه تغييرات وتحريفات، الا انه ما يهمنا هو ابو مخنف نفسه، فالرجل على الرغم مما لديه من مؤلفات أخرى الا انه اشتهر بكتابه مقتل الامام الحسين، ولولا ما كتبه بالمقتل قد لا نعرف شخصية أبو مخنف، فبالحسين (ع) اشتهر، وبه أصبحت له مكانة مرموقة الى يومنا الحاضر وحتى في المستقبل، فعندما نهل من ثروة الحسين صار له هذا الشأن.
ومثالنا الاخر السيد عبد الرزاق المقرم (المتوفي 1971م) صاحب المقتل المشهور الذي كان كتابه مقتل الامام الحسين ولا يزال من الكتب المعتمدة لدى الخطباء والرواديد وقراء مقتل الامام الحسين واهل بيته (ع) في يوم العاشر من محرم، فقد انبرى المرحوم السيد المقرم في تأليف كتابه إلى الكثير من المنقولات والمغالطات التي لا تمت للحقيقة بصله، فأبطل تلك الروايات التي تناقلتها الافواه على مر الأزمان، واعتمد على عدد كبير من المصادر الموثوقة في تحقيقاته ودراساته في نقل المقتل، واتصف أسلوبه بالوضوح والدقة والفحص والمقارنة، وتحتوي هوامش الكتاب مسائل فقهية ولغوية وأدبية، ويقدم السيد المقرم للقارئ صورة واضحة عن رواية كربلاء.
وعلى الرغم من ذلك ان السيد المقرم كانت لديه العديد من المؤلفات الأخرى التي اهتمت بعقيدة الشيعة، وسيرة ال البيت (ع)، لكننا عندما نذكر السيد المقرم يتبادر الى الذهن كتابه مقتل الامام الحسين (ع)، فكل شخص يكون له الشرف عندما يرتبط اسمه بالأمام الحسين (ع)، وبالتأكيد هذا ما كان يسعى اليه السيد المقرم، فنال ما طلب واصبح علم من الاعلام الذين كتبوا في الامام الحسين (ع).
وفي الوقت الحاضر نجد اغلب الباحثين وأصحاب القضية الحسينية يرجعون الى مقاتل السيد المقرم، فالقلة من كتب في مقتل الامام الحسين، وقبل فترة وصلتني نسخة الكترونية من كتاب مقاتل الامام الحسين (ع) للأستاذ الدكتور رحيم حلو البهادلي من جامعة البصرة، حقيقةً سرني هذا الكتاب كثيراً على الرغم من انه قيد الطبع في احدى دور النشر في لبنان، الذي كان غاية المؤلف فيه المواكبة في استمرار التدوين في مقتل الامام الحسين (ع)، احياءً لهذه الصورة المشعة، والغوص في التفاصيل التاريخية باستخدام وسائل المؤرخ في النقد والتحليل والاستنتاج، وحاول فيه الدكتور البهادلي التمعن في التفاصيل ومجريات الأحداث الرئيسة للمقتل، ودراسة المقتل دراسة علمية اكاديمية، واجراء مقارنة بين مرويات علماء الشيعة وعلماء الطوائف الأخرى، فضلا عن انه حاول إزاحة او تكذيب التهم التي ذكرت أن علماء الشيعة كان لهم تعاطف كبير مع القضية الحسينية، وأنهم اوردوا بعض الخرافات والأباطيل التي جرت بعد شهادة الإمام الحسين (ع)، كاحمرار السماء وأمطرت دماً، والابتلاءات التي طالت قاتليه والمحرضين عليه، فاعتمد مؤلف الكتاب على كتب العامة بالدرجة الأساس؛ لأثبات الحقائق، ويكون المقتل من وجهة نظر علماء الطوائف الأخرى، واني على يقين فيما اذا طبُع هذا الكتاب سيكون له حضور من بين كتب المقاتل، وانطلاقاً من قول مؤلفه من طلب الخلود فعليه الالتصاق بالمخلدون ومنهم الامام الحسين (ع)، بالتأكيد سيزيد هذا من رصيده الفكري والمعنوي ويرتبط اسمه بالأمام الحسين (ع).
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha