أمل هاني الياسري||
إذا ما داهم الأمة الإسلامية أي خطر، فمن المؤسف حقاً أن يقف أحدهم في إحدى زوايا البيت (الوطن)؛ ليتفرج على المشاكل والمنعطفات الخطيرة، وهذا بالتأكيد لا يُقارن بمَنْ تصدح حناجرهم: (يا لثارات الحسين، أو هيهات منا الذلة)، كما لا يُقارن بمَنْ تستصغر قدر الفاجر والظالم والمارق، وتستعظم تقريعه، وتستكثر توبيخه؛ لأن العيون عبرى والصدور حرى، ولأنها صدحت كما صدحت عقيلة الطالبين السيدة الحوراء زينب (عليها السلام): (كد كيك وأسعَ سعيك فو الله لا تمحو ذكرنا).
طبيعة الشخصيات التي وقفت مع الحسين تختلف عن الشخصيات الأخرى؛ أكانوا رجالاً أم نساءً، فهم وقفوا مع قضية إلهية عظيمة، تعد لهم منطلقاً للمقاومة، ضد أي نوع من أنواع الإستكبار العالمي، وهم عارفون لحدود هذه القضية، ودورها السياسي في حفظ دين الإسلام الحنيف، لا دين الفساد والفجور، ثم أن كلا الجنسين قالا كلمتهما بالتضحية، وسجلا حضوراً تأريخياً ملحمياً، بين يدي سبط الرسول الامام الحسين (عليه السلام)، ليعرف العالم طبيعة التغيير والإصلاح على يد مَنْ سيكون!!
قيل:(الوعاء النظيف يحتضن المضمون الطاهر)، وهذا فعلا ما يقال عن الشخصيات التي وقفت مع معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) فكان دوي أصحابه كدوي خلية النحل، بين قارئ للقرآن، وبين داع لنصرة الإمام، وبين خادم للبيت الهاشمي، وبين مَنْ يكاشف إمامه لبذل مهجته دونه، وبين مَنْ يطمئن مخدرات البيت العلوي، أنهم لن يفارقوهم حتى نيل الشهادة، إنه تجشييش عطفي مهيب، لتحقيق غايات وأهداف نبيلة، لذا تعد هذه الشخصيات مختلفة، ولن نستطيع الإيفاء بوصفها بهذه الكلمات فقط.
كعبة الأحرار (كربلاء المقدسة) تبدو كسفينة نوح، حينما جمعت كل الأطوار والنماذج المشرفة: (هانئ ومسلم، وطوعة، ،وابن مظاهر، وجون، وأبن أم وهب، وزهير (رضوانه تعالى عليهم) وغيرهم كثير، خاصة وإنهم يدركون أن التغيير يحتاج الى مرتكز والى محرك يحركه، فكان دم الحسين وإعلام زينب عنوانان للإصلاح والمقاومة، حين تفاعلت واقعة الطف مع كل الأزمنة والأمكنة، وظلت بحق نصاً مفتوحاً ملأ رجال النصر، والجهاد، والتحرير سطوره بكل إمتياز؛ لأن كربلاء بحق مدرسة للحياة لا الموت.
عندما يقف الوطن أمام مفترق طرق، لا يعود هناك مجال للمجاملات، وعلينا أن ندرك أن قدر الرجال على قدر همهم، كما نعي جيداً أن الفكر المنحرف يحلم بالعودة مجدداً؛ ليتغذى على دماء الأبرياء، لذا تتخرج منذ واقعة الطف (61 للهجرة) ولحد الآن، أفواج من الرجال المجاهدين، يحملون القضية الحسينية بضمائرهم، فلنكن على قدر النداء، ونسجل موقفاً يخلده التأريخ؛ لأن أختيارنا اليوم سيرسم صورة الغد لعراق الحسين (عليه السلام)، ولنكتب: (كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء).
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha