الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
تظافرت الرموز والأدلة القرآنية من أجل قراءة متكاملة, تتضح فيها الصورة البيانية على وفق ما تواتر نقله عن النبيِّ صلى الله عليه وآله, وبما يضمن الدلالة المقصودة للألفاظ القرآنية ولا يتقاطع السياق الصحيح والانسجام المناسب, وقد أفادت هذه الاشارات عموم القراء على مختلف مستوياتهم وثقافاتهم حتى ظهرت عندنا بفضل هذه الدلالات والرموز قراءات متوازنة في الغالب ملتزمة بالنصح المقدم للقارئ عبر النقاط المحددة للوقف أو الابتداء الذي يتصل بالوقف ويتأثر به كثيراً.
ومع كل ما يمكن أن تقدمها العلامات والرموز القرآنية وعلى اختلف أنواعها وقوتها فهي تتمايز من حيث التوجيه فمثلاً علامة (م) تفيد لزوم الوقف, وعلامة (قلى) تفيد أولوية الوقف, وعلامة (ج) تفيد جواز الوقف والوصل, وعلامة (صلى) تفيد أفضلية الوصل, وهناك علامات اخرى كنقاط التعانق التي يفضل الوقف على واحدة منها دون الاخرى, وعلامة الطاء والزاي ...الخ, وكل هذه العلامات وغيرها قد تكون أدوات مساعدة للقارئ في الوقف والابتداء؛ ولكن تبقى هذه العلامات هي من اجتهادات العلماء فهي ليست مقدسة كما يتصور البعض فيعتقد بضرورة الالتزام بها؛ نعم هي اجتهادات وقد شابها الكثير من الاختلافات والتباين؛ لذلك فقد نجد في موضع ما علامة (قلى) في مصحف معين ونجد في نفس الموضع علامة مختلفة في مصحف آخر, وهذا الاختلاف وارد باعتبار اختلاف التفاسير ورؤية العلماء واختلافهم في الاعراب والتفسير وغير ذلك.
وعلى هذا فإن من المناسب أن ندرك أن العلامات ليست قطعية, فكما اختلفوا في مسألة الوقف على رؤوس الآيات, كذلك اختلفوا على مواضع العلامات, والاصل ان المصحف الشريف كان غير منقوط في عصر النبيِّ صلى الله عليه وآله, وأما العلامات فهي من عمل المتأخرين الذين شعروا بضرورتها فعمدوا إلى وضعها بهذه الصورة المختلفة والتي تتغير أيضا من فترة إلى اخرى فضلاً عن اختلاف مواضعها.
ومن المهم أن ندرك أننا لا نختلف على دلالة العلامة أو الرمز, فمثلاً علامة (م) نتفق جميعاً على أنها تفيد لزوم الوقف؛ ولكن نختلف على مواضعها وهكذا باقي العلامات والرموز, ومسألة العلامات باعتبار أهميَّتها ومكانتها فقد شابها الكثير من الضغط السياسي أيضاً خاصة في بعض المواضع المفصلية المهمة والمتعلقة بالجوانب العقائدية, ففي ذيل الآية السابعة من سورة آل عمران مثلاً أوجب البعض بوضع علامة (م) التي تفيد لزوم الوقف على كلمة (الله) في قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم), وهناك من جعل عليها علامة (قلى) وكلا العلامتين قد لا تناسب الموضع, وهكذا في آيات كثيرة اخرى حيث نجد أن البعد السياسي كان حاضراً في التوجيه وتحديد العلامة وهذا الأمر ترك الكثير من الجوانب السلبية على قراءة النص القرآني ودلالته.
والذي ينبغي أن يدركه القارئ هو أن القراءة رسالة, والقارئ هو المؤدي لهذه الرسالة وعليه أن يصل بالرسالة غير منقوص ولا يزيد عليها أيضاً؛ بل يحاول ان يقف حيث تنتهي الجملة ويستقيم الكلام من جهة معناه أولاً, ذلك أن المعنى هو المقصود, وكل ألفاظ القرآن مقصودة ولا يتحمل الزيادة أو النقص, والترابط بين اللفظ والمعنى متناسق في القرآن الكريم إذا أظهر القارئ قراءة صحيحة من حيث الوقف والابتداء, وهذا لا يعني عدم الالتزام بالعلامات والرموز بشكل مطلق؛ بل ينبغي الحيطة والحذر في التعامل معها والخشية من أن يكون الأمر مجرد دافع سياسي ورغبة ناقصة في توجيه النص القرآني على غير رؤية القرآن وتفسيره الصحيح.
https://telegram.me/buratha