الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي ||
التزاوج بين المصطلحات تحت مظلة الزمان والمكان تترادف في كثير من الاحيان لترسم معالم صورة تختلف دلالاتها وأسرارها وتتحد من جهة أهميَّتها وأثرها, فبين عرفة وعرفات بون الزمان والمكان, فعرفات هو الجبل الذي يقع في شرق مكة, وقيل أنها البقعة التي تم فيها اللقاء الأول بين آدم وحواء فتعارفا بعد خروجهما من الجنة وعلى هذا فان عرفات اشارة إلى المكان, وأما عرفة فهو الزمان وتحديداً هو التاسع من شهر ذي الحجة المباركة حيث الكرامات الكثيرة واللحظات التي ينشغل فيها عباد الله المؤمنين بدعائه ومناجاته سيما بعد الزوال إلى الغروب.
والاسرار في عرفة كثيرة فبعد أن كان يوماً لتعارف أبونا آدم وأمنا حواء في عرفات حيث امتد الخير والبركات, وابتدئهما الرأفة والرحمة بعد طول انتظار وشوق اللقاء, ليكون هذا اليوم يوم الفقراء إلى الله وينتظرون رأفته ورحمته كما رزقهما آدم وحواء, وزيادة على ذلك فقد قيل أن جبرائيل عليه السلام صاحَب نبي الله إبراهيم عليه السلام في يوم عرفة وعرَّفه المشاعر والمشاهد وكان يردد عليه القول (أعرفت أعرفت) ليكون هذا اليوم وفي هذا المكان عنواناً المعرفة الموجهة والخالدة.
ولعلَّ سائلاً يسأل عن الغنيمة في يوم عرفة سواء لمن رزق الوقوف بعرفات او لغيره, فالحق أن الغنيمة الكبرى في هذا اليوم هو انتصار الانسان على نفسه الامارة بالسوء, وقدرته على الاعتراف بالذنب والتقصير ووقوفه بين يدي الله تعالى مناجياً وداعياً ليدخل إلى ساحة الرحمة الالهية بعد ان أبعدته الذنوب والموبقات, وهذا من أسرار الخروج إلى عرفات حيث يكاشف الحاجُّ ربه فيغفر له ويتوجه إلى المشاعر العظام نقيَّاً تقياً, فينطلق من المزدلفة ليقترب من ربه فيقبل الله تعالى تقرَّبه في تلك الساحة الجرداء حيث الجميع يقف مبهوتاً وتلغى الامتيازات فيكون الغني والفقير على السواء والرئيس والمرؤوس ولا فرق بين كبير ولا صغير ولا بين أسود وأبيض إلا بالتقوى ومقدار القرب من الله, ولتشهد هذه البقعة من المزدلفة على ضعف الانسان وغربته عن كل محيطه الذي قد اغترَّ به.
والحقيقة التي تنكشف في عرفة وعرفات هي دورة الحياة اليومية, وفيها بيان أن من يقترف الذنوب فهو مطرودٌ ومن يعترف ويرجع عن غيِّه فهو مرحوم ويثبت ان مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل؛ ولتكون عرفة عيد القبول عند الله وانتصار العبد وهزيمة قوى الشرَّ والضلال.
وعلى هذا فان يوم عرفة يوم الانقطاع إلى الله تعالى, فينبغي على العبد ان يجتهد في السؤال ويوقن بالإجابة من عند الله تعالى؛ ويصرّ عليها فلحظات عرفة قد لا تعود, ومن فاته فقد فاته الخير الكثير, ويبقى الدعاء زينة يوم عرفة وشعاره لمن أراد اللحوق بركب الاوابين وقصد وسيلة الصالحين لينال درجة القبول ويكون من المغفورين.
https://telegram.me/buratha