الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
توافرت الأدلة على تعدد دلالة اللفظ الواحد عند المفسرين, فتتقاربت وتتباعدت لاعتبارات سياقية وتوظيفية بعد استعمالها في خطاب موجه تكون للجنبة الاجتماعية أثراً واضحاً في توجيهها وكشف مقصودها, فاللغة كائن قابل للتطور ومعرضٌ للاندثار بحسب الاستعمال, ولما كان النص القرآني كاشف عن نفسه عبر أثير الكلمات المتناسقة والمنسجمة على شكل وحدات لا تقبل التقديم والتأخير أو الزيادة أو الحذف أو الحشو- كان لابد من محاولة أخرى لفهم القرآن بعيداً عن الرؤية الضيقة والتفسير المحدود الذي قد يتوافق مع معطيات عصر دون آخر أو قوم دون آخرين, فينكمش على نفسه ولا يليق بعالميته وخلوده ودقة استعمالاته التي تظهر غالباً بعد ان نرتقي إلى تلك الامكانيات التي يمكنها أن تعيش عالم النص وتتفاعل معه بكل موضوعية.
أن المعاني المعجمية التي كشفها المعجمات العربية في توجيه المفردات قد تكون يائسة بشكل واضح في توجيه الدلالة القرآنية, فمفردة الساعة في قوله تعالى((إن الله عنده علم الساعة)), لا يمكن حملها على دلالتها المعجمية التي ذكرها علماء اللغة وكشفتها تفاسيرهم الاصطلاحية أيضاً, فالقرآن وظفها في جانب بعيدٍ عن تلك الدلالات الضيقة والمحدودة وجعلها في سياق آخر يمكن توجيهها بحسب مقامها المعتبر, والمنصوص أيضاً بالروايات التي نقلت عن المعصومين في هذا الخصوص؛ ليتبين أن الساعة اسم ليوم القيامة وأهوالها.
والدلالة السياقية هي الاخرى عاجزت عن بيان المعاني المقصودة للتراكيب بشكل يفيد بيان غاية الجملة وتركيباتها المتسعة التي ثارت على سياقها النصي الذي يقوم بالكشف عن الدلالات التي تظهر على السطح الظاهري بعد تناسق الكلمات على شكل جملة مفيدة, ففي قوله تعالى((فقطع دابر القوم الذين ظلموا)) يمكننا أن نفهم أن المقصود بحسب سياقها أن النص أفاد انقطاع وقطع آخر القوم, وهنا تجد العمومية في التفسير, فلا يمكن أن يتضح الدلالة المقصودة وان أشغلنا السياق بها, وعلى هذا فان المعاني الدقيقة في تفسير القرآن قد لا يظهر إلا بتحليل الخطاب على وفق توجيه الملفوظ بحسب توظيفها ورعاية جوانبها الاجتماعية.
وتحليل الخطاب يمكنه أن يكشف الكثير بعد ملاحظة الاستعمال, في النص القرآني((فقطع دابر القوم الذين ظلموا)), نتأمل بأن هناك توظيفاً خرج عن حد الدلالة السياقية, وكأن القرآن هنا ركز على القوم الذين أمروا بالولاية فجحدوها, فعاقبهم الله تعالى باستئصال عقبهم فلم يبقى لهم باقية, وقيل أن الآية نزلت في بني العباس الذين تمردوا على الولاية وانقلبوا عليها بعد رفعهم شعار الثأر لآل محمد, فكان عاقبتهم بذلك قطع دابرهم عن بكرة أبيهم, وهذا يتناسب مع عدالة السماء الذي يمهل ولا يهمل لتكون هذه السنن الكونية اشارات على أن الله يمدهم في طغيانهم يعمهون ولكن لا يهملهم, والحليم بالإشارة يفهم ويتعض.
https://telegram.me/buratha