د.مسعود ناجي إدريس ||
إن الحكمة من غيبة الإمام المهدي هي استعداد المجتمع البشري لتحقيق الهدف السامي لإمام العصر، وهو إقامة العدل. إن إقامة العدل تتطلب قبول العدالة، ومجرد التعرف على مواضيع العدالة لا يكفي.
لخلق هذا الاستعداد، في المجتمع غير الديني، يحاولون ارتكاب الأخطاء لتحقيق هذا الاستعداد لدرجة أنهم يصلون إلى قناعة بأن لا يمكن لأحد أن يساعدهم إلا شخصية من وحي الله. ويقولون لقد جربنا كل شيء ولم نحصل على نتيجة.
لكن المجتمع داخل الدين له ميزة واحدة وهي أنه إذا أراد أن يكون مُسْتَعِدًّا، فعليه أن يراعي شيئين يخص إمام الزمان. الشيء الأول ماذا يريد منا والثاني ما وظيفتنا تجاه الإمام.
قال النبي (ص) «وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي» .
أعطى النبي الدليل لنا، لكننا أضعناه تدريجياً. لقد تُحَوَّل القرآن إلى وسيلة للاستخارة والتبرك وهو بالأصل كتاب الهداية، لكن لا نستعين بهداية القرآن. إن أهل البيت، وهم مصدر الهداية، أصبحوا مظهرا من مظاهر الصداقة، ونحن نحبهم فقط، ولا نستفيد من هداهم.
عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن خيثمة قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) أودعه فقال: «یَا خَیْثَمَةُ أَبْلِغْ مَنْ تَرَی مِنْ مَوَالِینَا السَّلَامَ وَ أَوْصِهِمْ بِتَقْوَی اللَّهِ الْعَظِیمِ وَ أَنْ یـَعـُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَی فَقِیرِهِمْ وَ قَوِیُّهُمْ عَلَی ضَعِیفِهِمْ وَ أَنْ یَشْهَدَ حَیُّهُمْ جِنَازَةَ مَیِّتِهِمْ وَ أَنْ یـَتـَلَاقـَوْا فـِي بـُیـُوتـِهـِمْ فـَإِنَّ لُقِیَّا بَعْضِهِمْ بَعْضاً حَیَاةٌ لِأَمْرِنَا رَحِمَ اللَّهُ أَمْرَنَا یَا خـَیـْثـَمـَةُ أَبـْلِغْ مـَوَالِیـَنـَا أَنَّا لَا نـُغْنِی عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً إِلَّا بِعَمَلٍ وَ أَنَّهُمْ لَنْ یَنَالُوا وَلَایَتَنَا إِلَّا بِالْوَرَعِ وَ أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ حَسْرَةً یَوْمَ الْقِیَامَةِ مَنْ وَصَفَ عَدْلًا ثُمَّ خَالَفَهُ إِلَی غَیْرِهِ»
(كمن يدعي أنه يوالي الأئمة ولا يتبعهم، أو يمدح عملًا صالحًا ولا يعمل به).
ماذا يجب أن نفعل عندما يوصونا بالتقوى؟ قال أمير المؤمنين في حديث يوضح معنى التقوى: «اُوصِیکُم بتَقوَی اللّه ِ فیما أنتُم عنهُ مَسؤولُونَ و إلَیهِ تَصِیرُونَ» .
تشير هذه العبارة إلى أنكم ستُسألون عن أعمالكم وستعود عليكم. «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ».
لذلك، عندما ينصح الأئمة بالتقوى، فإن مراعاة التقوى هي أن نضع اعتبارا لله وأنه يشاهدنا.
حياتنا عبارة عن مجموعة من الأفعال وردود الأفعال التي تتطلب دافعًا لتحقيقها، مهما كانت دوافع كل شخص تجاهها. إذا كانت أفعالي مدفوعة من الله، فأنا أصبح كائنًا إِلَهِيًّا. إذا كنت في محل جزارة لمدة عشر دقائق، ستشتم رائحة اللحم، أو إذا كنت في محل عطور أو محل عطار لمدة عشر دقائق، ستشتم رائحته. المهم ما هي صبغتك. إذا كنت تريد أن تأخذ صبغة الله، فعليك أن تطيع الله عَمَلِيًّا. أي، على سبيل المثال، أصلي من أجل التقرب إلى الله، وليس من أجل احترام الناس.
لذا فإن النصيحة الأولى هي أن تطيع الله في ممارستك.
في تكملة الرواية يقول «وَ أَنْ یـَعـُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَی فَقِیرِهِمْ وَ قَوِیُّهُمْ عَلَی ضَعِیفِهِمْ» هذا يتعلق بشخص كان سيفعل ذلك إذا تمت ترقيته لمنصب رفيع.
في الرسالة الخامسة من نهج البلاغة ، أمر أمير المؤمنين أحد وكلائه«وَ إِنَّ عَمَلَك لَیْسَ لَك بِطُعْمَةٍ وَ لَکِنَّهُ فِي عُنُقِك أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًي لِمَنْ فَوْقَك» فعل أمير المؤمنين نفس الشيء. يروي ذلك ابن عباس «دخلت علی امیرالمومنین (ع) بذي قار و هو یخصف نعله فقال لي ما قیمة هذه النعل فقلت لا قیمة لها فقال علیه السلام و الله لهي احب اليِّ من امرتکم الا ان اقیم حقا و ادفع باطلا» .
لذلك، إذا أراد أحد أن يقول إن المسؤولية التي قبلتها ليست مفرشًا وليست لقمة دهنية ولينة، فيجب أن يكون دائمًا في وظيفتين، إما إثبات الحق أو رفض الباطل. هذه المسؤولية مهمة جدا.
هذا هو طلب الإمام من المسؤولين. هذا يعني أن تراعي حق الناس.
قال أمير المؤمنين لما عين محمد بن أبي بكر والي مصر «فانت محقوق ان تخالف علی نفسك و ان تنافخ عن دینك و لو لم یکن لك الا ساعة من الدهر» .
معيار أمير المؤمنين لوكيله شيئين ، أحدهما تهذيب النفس ، والآخر معرفة الدين والتضحية بحياته من أجل دينه.
نقطة أخرى هي مسألة الجدارة. قال النبي (ص) «مَنْ تَقَدَّمَ عَلی قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمینَ وَ هُوَ یَری أَنَّ فیهِمْ من هو افضل منه فقد خان اللَّه و رسوله و المسلمین.»
النقطة التالية التي طلبها المعصومين منا «وَ أَنْ یـَعـُودَ غَنِیُّهُمْ عَلَی فَقِیرِهِمْ» . أي أن الأغنياء يجب أن يساعدوا الفقراء. كانت الفكرة السائدة هي أن يهتم المسؤولون بالمرؤوسين، لكن يتعلق هذا الأمر بالشعب اجمع.
في مبادئنا الدينية هناك ما يسمى أداء حقوق المؤمن. يقول القرآن «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» .
لقد خلق الله رباط الأخوة بين مكونات المجتمع. هذه الأخوة ليست فقط في العنوان ، بل تعني أن لك حقوقًا وأنا مُلزم بالوفاء بهذه الحقوق.
يقول الإمام الصادق (ع) «ما عبد الله بشيء افضل من اداء حق المؤمن.» .
قال الله تعالى في سورة النساء في الآية ٤٨: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ..» .
هذه الآية واعدة جِدًّا أن الله يغفر أي ذنب غير الشرك بالله. يتم استبعاد العذاب من «مَا دُونَ ذٰلَك».
يقول الإمام زين العابدين (ع): «یغفر الله للمؤمنین کل ذنب ويطهر منه في الدنیا والآخرة ما خلا ذنبین: ترك التقیة، وتضییع حقوق الإخوان»
لن يغفر الله هذه المعصية إذا لم يتم أداء حقوق الإخوة بالدين في المجتمع.
السؤال الأول: ما هي حقوق المؤمنين التي إذا لم أؤديها فلن يغفر الله لي ذنوبي؟...
ـــــــ
https://telegram.me/buratha