الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
واحدة من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ والتاريخ الاسلامي على وجه الخصوص هي معركة بدر التي وقعت بين المسلمين بقيادة النبيِّ صلى الله عليه وآله وبين كفار قريش الذين بالغوا في الفساد واستصغار المسلمين حتى ظن العوام أن المواجهة المرتقبة بينهما كانت غير متكافئة, وأن المسلمين لا يمكنهم الوقوف أمام الجيوش الجرارة التي خرجت من مكة آنذاك وهي تزحف باتجاه المسلمين الضعفاء عدداً وعُدّة, والاقوياء إيماناً وعقيدة.
أن مسيرة معركة بدر الخالدة أكدت على إنها كانت من المعارك التي لا تتكرر في التاريخ, فلو خسر المسلمون المعركة كانوا قد حكموا على الاسلام السلام؛ لذلك كانت المعركة بحاجة إلى الكثير من المراجعة والتأمُّل, وقد أشرف الله تعالى على رعاية الوضع الاسلامي في هذه المعركة التي كانت قلوب عامَّة المسلمين فيها ترتجف خوفاً من الزحف الذي خرج وبتلك العدد والعدّة التي كانت عليها جيوش المشركين, والمجهزة بأنواع السلاح والامكانيات التي كانت تتفاخر بها قريش آنذاك, ومن جانب آخر فان وجود النبيِّ صلى الله عليه وآله ووجود أمير المؤمنين عليه السلام كان سبباً للاستعداد النفسي عند المسلمين, ودافعاً للمقاومة والوقوف أمام قوة قريش آنذاك.
لقد كانت ليلة بدر ليلة فريدة, فقد كانت الآبار بين القوتين, والرياح شديدة, والظلمة قائمة, والتحديات النفسية والفنية كبيرة؛ لذلك حينما وقف النبيُّ صلى الله عليه وآله وسأل المسلمين عن امكانية الحصول على الماء فلم يجبه أحدٌ إلى ذلك غير أمير المؤمنين عليه السلام الذي حمل القراب متوجهاً إلى الآبار مظهراً شجاعته العلوية التي عُرف بها, وشاء الله تعالى أن تتوالى الكرامات عليه, فقد هبَّت رياح الملائكة بأصنافها المتعددة وبادرت بالسلام على أمير المؤمنين عليه السلام حتى تجاوزت أعدادهن الثلاثة آلاف, وقد كشفها رسول الله تعالى للمسلمين بعد ان عاد أمير المؤمنين عليه السلام بصحبة الماء الذي كان سبباً لإثارة الكرامات في ليلة بدر الكبرى.
أما نهار بدر فقد كان هو الآخر معرضاً للكرامات العلوية, فما أن بدأت معركة بدر حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام عتاتهم الذين انبروا وبرزوا يتفاخرون ويدعون المسلمين إلى المواجهة بأراجيزهم التي تحيرت بعد ان خرج لهم أمير المؤمنين فقتلهم جميعا بسيفه البتار, وكان ذلك سبباً لانكسار هيبة قريش وقوتها, ولمَّا تداخل الجيشان كانت الكرامات تتوالى على الجيش الاسلامي, فشاركت الملائكة المسومين في قتال كفار قريش, وانكسر جيش قريش بعد أن كانوا يتصورون أن المعركة مجرد استعراض لهم؛ باعتبار أن جيس المسلمين لا يعدوا كونه ضعيفاً قليل العدد, لا عهد لهم بالمعارك والحروب.
إن الدروس كثيرة في قراءة أحداث معركة بدر ووقائعها, فبعد أن توكل المسلمون على الله تعالى, وقصدوا المعركة بعزيمة وعقيدة نجحوا في كسر المعادلات المنطقية التي تحكم بها العقل والواقع, ونجحوا بإيمانهم في استدرار تأييد الله تعالى الذي انكشف بصور مختلفة أحسَّ بها المسلمون فزادهم إيماناً, وتماسكاً بتوجهات النبيِّ صلى الله عليه وآله حتى كان النصر حليفاً للمسلمين يتناسب مع النوايا الصادقة وقوة الايمان وسلامة العقيدة, فقتل من الكفار تمام السبعين, فانكسروا وانكشفوا بين يدي المسلمين مذعورين خائبين, ولم يستشهد من المسلمين إلا دون العشرة كما وعد رسول الله تعالى؛ ليزدان إيمان المسلمين بنبيِّهم, ومن الجميل أن نعلم إن نصف قتلى قريش كانت بسيف علي عليه السلام, وأما النصف الآخر من قتلاهم فقد شارك فيها المسلمون والملائكة والمسومون وكذلك أمير المؤمنين, وهذا ما أولد أحقاد بدرية على أمير المؤمنين أظهرها أبناء الكفار في يوم عاشوراء.
https://telegram.me/buratha