رضا جوني الخالدي ||
الله سبحانه وتعالى خلق النفس البشرية، وهو يعلم ما بها وما بوسعها أن تعمل، فيوجد في النفس البشري ماهو حيواني وماهو أنساني ، فيحدث في عالم البشرية القتل والظلم، وسفك الدماء ورمي المحصنات، والأنساني منها من ييسطر على هذه النفس ويكبح جماحها، ويسيطر على شهواتها، وقد تصل هذه النفس الى عليين في معرفة الله و وصولها الى الصفات الالهية.
فمن هذا المنطلق خلق الله سبحانه وتعالى الجنة والنار،
العذاب والنعيم، الأختلاف وقع هنا :
هل العذاب يبدأ من بداية موت الأنسان؟
أم يتأخر الى يوم الحساب؟
في حقيقة الأمر العذاب واقع لا محال سواء كان في بداية الموت أم في يوم البعث لا يمكن أن نختلف،
لكن يجب معرفة يوم العذاب ومتى يحصل؟
قبل الأتيان بجوابهما لابد أن نعرف من يعتقد بوجود العذاب في القبر، ومن ينفي وجوده في القبر؟
هنالك شقين من المعتقدين بوجوده وعدمه،
الأول/ هو المعتقد بوجود عذاب القبر، وحتمية وقوعه على كل أنسان، اذا كان كافراً في ضيق من العذاب ، واذا كان مؤمناً في نعيم.
فيما استدل هذا المعتقد الأول بآيات من القرآن الحكيم وأحاديث السنة، لكن نحن هنا نحتكم الى القرآن الكريم هو القاطع في الحكم،
١- قال تعالى: "من ورائهم برزخ الى يوم يبعثون" المؤمنون١٠٠
٢- قال تعالى: " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون"
٣- قال تعالى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"
٤- وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ
وهنالك احاديث كثيرة ايضاً يستدلون بها على عذاب القبر.
لو اردنا تفسير الآيات لبعض الإعلام، سنجد
١-١- حياة البرزخ لا يوجد حياة داخل البرزخ، والبرزخ هو حاجز خفيف او كثيف، ولبيان ذلك قال تعالى"مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخٌ لا يبغيان" اي بينهما برزخ حاجز يفصلهما وليس حياة او شعور،
قال تعالى ومن ورائهم برزخ أي خلفهم يقع الحاجز وهم لم يتعدوه لانه حاجز.
٢-٢- الحياة للشهداء هنا لها تفاسير كثيرة ومن ضمنها تفسير يشير الى الحياة البرزخية، فبعضهم قال بأن الشهداء يقصد ذكرهم حي، والبعض الآخر ذهب بأنه تكريماً لهم في البرزخ، اذا كان تكريماً لهم في البرزخ، لابد ان ينفردوا في ذلك الشهداء،
فهنالك غير الشهداء ايضاً نالوا النعيم في البرزخ وسيكرمون،
اذن ماهو دور الخاصية التي اعطاها الله الى الشهيد؟
وهنالك تفسير يقول:
المعنى هو ما أعد الله لهم، يريد الله أن يقول انتم أيها الناس تعتقدون ان الموت في زمن النبي تعتبرونه عدماً ، هذا استشهد انتهى امره، الله يقول هذا غير صحيح هذا حي وسوف تدركونه يوم القيامة.
فهذه مثل الذي جاء الى المدينة رجل يسعى وبعدما قتلوه قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين،
اين جعله من المكرمين؟ جعله من المكرمين في يوم القيامة.
٣-٣- قال تعالى "وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا"
يومئذ أي في يوم القيامة ويقصد به العرض الأول،
الأختلاف هو الله سبحانه في الآية الاولى الله يخبر النار بأنه سوف يعرض عليها الكافرون مثلما اخبر الكافرون بأنهم سوف يعرضون على النار،
فهو مثل ما وعد الكافرين بالنار وعد النار بالكافرين،
اذا كان الكافر قد تعذب في النار في القبر الاف السنين كيف يقول الله
"وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا"؟
لان النار الى الآن متوقفه وغير مشتعله، قال تعالى "واذا الجحيم سعرت" معنى ذلك أن الجحيم غير مسعره حالياً،
٤-٤- لماذا قال اليوم تجزون عذاب الهون اذا لم يوجد عذاب القبر؟
الزمن بين الممات الى البعث تقريباً متوقف عند المتوفى،
قال تعالى" كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا"
الأنسان يشعر انه لم يلبث غير بعض يوم عشية وضحاها،
لذلك قالت لهم الملائكة اليوم تجزون عذاب الهون، أي بما يشعر به الأنسان بعد موته الى يوم البعث،
لان الحياة تنقطع عنه تماماً، ولا يشعر غير انه نام بضع يوم،
قال تعالى "وما أنت بمسمع من في القبور"
قال تعالى " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ "
هنالك فرق بين الأجداث والقبور ؟
القبور هي التي تضم الأجساد الميته.
اما الأجداث فهي نفسها القبور لكن بعد ما تعود لها الحياة تسمى اجداث.
ففي هذه الحالة نجد أن في البرزخ لا يوجد حياة بل هم رقود.
قال تعالى : قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ"
لاحظ كلمة مرقدنا؟ للأستئناس فقط ليس للقياس،
قال تعالى في سورة الكهف، "تحسبهم ايقاضًا وهم رقود"
لاحظ كلمة رقود عند أهل الكهف، فهم في حالة نوم عميق استمر اكثر من ٣٠٠ عام.
· الجانب أوالمعتقد الثاني
كان يرى بعدم وجود ذلك العذاب البرزخي في القبر، وايضاً هذا الجانب واضح بأدلته مستعيناً بذلك من آيات الله في محكم كتابه العزيز، وهو يعتقد بنفي عذاب القبر.
وكان يستند الى الآيات المباركة، قال تعالى " وما أختلفتم فيهِ من شيء فحكمهُ الى الله"
هنا الأستدلال القطعي حيث الرجوع الى الله تعالى في هذا الأمر، قال تعالى" قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ"
اذا كان هنالك عذاباً في القبر وأن الكافر يعذب والمؤمن في نعيم، لماذا قال الكافرين يا ويلنا من بعثنا وتفاجئوا في ذلك؟
وهنا استخدموا مرقدنا أي من نومنا لأن أهل الكهف جاءت مفردة الرقود بمعنى النوم، كذلك قال الله هذا ما وعد الله أي هذا وعد الله.
كذلك قال تعالى" الاَْبْرَارَ لَفِى نَعِيم (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جحِيم " يصلونها يوم الدين"
الله سبحانه يوعد الأبرار في النعيم والفجار في الجحيم، ولكن متى؟ يوم الدين أي يوم البعث، لماذا لا يوعدهم بعد الموت؟،
قال تعالى" لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ"
الله قال هنا كاملة حيث يحمل الكافرين اوزارهم كاملة بدون نقص، لماذا كاملة الم يتعذبوا في القبر كي تنقص اوزارهم ولو قليل؟،
قال تعالى" فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ"
ماهو يومهم الذي يوعدون هل هو القبر, أم يوم الحساب هو يوم الوعيد؟
قال تعالى " وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ"
هذا يعني أن يوم الوعد، هو يوم الحساب وليس قبله.
" قال تعالى : " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابيه"
السؤال " اذا كان في نعيم في القبر، لماذا يتفاجأ ويصيح هاؤم اقرءوا كتابي وهو كان في نعيم؟،
قال تعالى" إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا"
لماذا يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ؟
وهو يقولها في يوم الحساب أي بعد ما يعطون الكتاب له،
هذا يعني انه وجد العذاب يوم القيامة،
قال تعالى" يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ "
الله سبحانه هنا يوضح بأن النار هي يوم الدين وليس يوم قبل ذلك، والا فالماذا يجيبهم بأن يوم الدين هو يوم عذابهم في النار؟،
قال تعالى " واذا النار سُعرت" اي النار الآن غير مسعرة ويتم اشعالها يوم القيامة،
حتى ابليس عندما طلب من الله أن ينظرهُ الى يوم يبعثون واستجاب الى الله سبحانه الى طلبه، جاء ذلك في الآية المباركة،
عندما قال تعالى" قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ "
السؤال هنا هل ابليس الشر المطلق في الأرض لا يُعاقب ويُحاسب في القبر، ونحن نتعذب في القبر؟،
في هذا الحال ابليس انتصر على عذاب القبر،لانه اخر من يموت من الخلائق،
قال تعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ"
الله سبحانه وتعالى أخر الظالمون الى يوم تشخص فيه الأبصار، بمعنى يؤخرهم الى يوم القيامة، اذا كان هنالك عذاباً في القبر أين التأخير في العذاب اذن؟
هذه الدلائل القرآنية وغيرها الكثير شاهده على نفي عذاب القبر، حسب التفسير البسيط وليس التفسير القطعي،
لكنها تبقى آيات قطعية الدلالة، لم استعين بحلقات المقال عن بدلائل السنة النبوية واقوال آل البيت "عليهم السلام"
لأنها ربما لا تكون قطعية بتواترها، وكلنا نعلم بوجود الآف من الأقوال الغير صحيحة ويعتريها الشك، لذلك اكتفينا بالدلائل القرآنية فحسب،
علاوة على ذلك، يحتاج الكافر الى وقت يتعذب به، أين الوقت، وهم يقولون بعد النفخ في الصور، ما لبثنا الا ساعة!،
وأيضاً يحتاج الى جلد يتعذب به،
قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ "
بمعنى يحتاج جلد يتعذب ويذوق العذاب أين الجلد في القبر؟
قال تعالى" كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ"
هنا امات الله هذا الرجل مئة عام، واحياه فقال له كم لبثت قال يوم، أي ان الوقت متوقف في القبر ولا يوجد كي يتعذب به الأنسان، والله لم يقل جلعته ينام بل قال فأماته أي موت.
كذلك ايضاً هنالك رأي آخر انه ليس من العدل، أن كافر مات قبل الآف السنين وهو يُعذب في القبر، وكافر بنفس درجة الكفر، مات اليوم، والفرق في العذاب الآف السنين، وهذا خلاف العدالة الآلهية، وحاشى لله ذلك، وابليس صاحب الشر، لا يمر بعذاب القبر.
لذا تبقى كل هذا الأحتمالات اراء تفسيريه، ولا يمكن الجزم بها، قد تكون صائبة في التفسير أو قد تكون غير صحيحة، عذاب القبر ربما يوجد وربما لا يوجد، يبقى ذلك الى الأكثر أعلمية وأرجحية في التفسيرات القرآنية، والله أعلم بتأويل الآيات وتفسيرها، نسأل الله أن يجيرنا من عذاب الجهنم، ويسدد خطانا في الحياة الدنيا.
في حين الكثير من المذاهب الإسلامية بل جمعاء مع اختلاف، تبعيضي بين القليل منهم، يؤكدون على عذاب القبر، مستدلين بآيات قطعية التفسير عندهم، وأحاديث قطعية التفسير، في حين يراها البعض ظنية التفسير وأحاديث غير قطعية، والله أعلم بذلك، وعندما يختلف المسلمون في أمر، فيردوه الى الله، والكتاب الحكيم، هو الحد الفاصل والقاطع، بما اختلفوا فيه.
لكننا أيضاً بصدد تفسير آخر، وقد يعترف به فريق ايضاً أن عذاب القبر، عذاب روحي وليس جسدي، كما ينام الأنسان تماماً ويحلم بكوابيس وأحلام مخيفة اذا كان كافراً، وأحلام جميلة أذا كان مؤمناً، وهذا رأي ضعيف، لا يمكن الاستدلال به، لكنه رأي ويستند الى دلالات ايضاً، لا يمكن ذكرها قلتها جداً.
https://telegram.me/buratha