محمد مكي آل عيسى ||
أن يحشر الإنسان نفسه فيما لا يعنيه أمر قبيح مرفوض لا يقبله ذو ذوق حسن ولا نرغب به ونرفض أن يتدخّل في شؤوننا أحد وقد وردت في ذلك أحاديث في ديننا الإسلام العظيم فقد ورد في ميزان الحكمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):
- أعظم الناس قدرا من ترك ما لا يعنيه .
- من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
لكن ما هو الأمر الذي يعنيني وما هو الأمر الذي لا يعنيني ؟؟
هنا نخطئ معظمنا بالتشخيص ولا نستطيع أن نميّز فيما بين الإثنين فمثلاً لو رمى أحد الأوساخ في الشارع فهل هذا أمر يعنيني أم لا يعنيني ؟؟
كيف لا يعنيني . . الشارع ليس ملكه وحده . . الشارع لي كما هو له . . الأوساخ تؤذيني . . من حقي أن أتدخّل وأعترض على من يفعل ذلك .
مثال آخر . . صديقي مدمن على التدخين . . هل هذا شأنه وحده ؟؟ هل لي أن أتدخل وأمنعه أو أنصحه ليرتدع عن ذلك ؟؟ البعض يعتبر الأمر تدخّلاً في حياته . . لكن هو صديقي وأنا مخلص له ,صادق معه , أحبه , صحته وحياته تهمّني .. أتألم فيما لو جرى عليه مكروه . . من حقّه عليَّ أن أقف ضدّه , أن أنصحه , أن لا أوافقه . . إن لم أفعل ذلك لن أكون مخلصاً له لن أكون صادقاً معه وسيكون حبي له كاذباً .
أحدهم مدمن على شرب الكحول ويقول هذا شأني وحدي ولا أسمح لأحد أن يتدخّل في حياتي . . فلان يقامر ويخسر ويقامر ويخسر ويبدد أمواله ويقول هذا شأني ولا أسمح لأحد أن يتدخل بشأني . .
وهذا عين الخطأ
فحياة كل منّا ليست ملكه وحده فيفعل بها ما يشاء
من كان صاحب عائلة . . فعائلته تهمها حياته وترتبط شؤونها بشؤونه . .
من كان ينتمي لوطن ما . . فحياته وصحته وجهده يحتاجها وطنه
من كان صاحب دين حق . . فدينه الحق تهمه حياته
من كان لديه صاحب أو صديق . . أصحابك وأصدقاؤك تهمهم حياتك وتعنيهم فحياتهم تتأثر بحياتك لذا رفع الإسلام العظيم شعاره (( الدين النصيحة )) وتعني أن يرد المسلم لأخيه المسلم الخير
لكن ما الذي لا يعنيني من أمر صديقي أو زميلي أو أخي ؟
ما الذي عليَّ أن لا أحشر أنفي فيه من شؤون الآخرين ؟
نعم هناك أمور خاصة لا تعنيني فعلاً وليس من حقي أن أتدخل بها ولا أسأل عنها أو أتتبعها أصلاً . . لا يحق لي أ أسأله ماذا أكلت ؟ أين سافرت ؟ كم تربح في عملك وما هو أجرك الشهري ؟؟
لماذا لم ترزق بأطفال ؟؟
وغيرها من الأمور التي لا تعنيني أصلاً ولا دخل لها لا بشؤوني ولا بمصلحتي
هذا من جانب السائل ..
وأما من جانب المسؤول . .
فإن على الشخص الذي يتعرّض للسؤال ويشعر أن هناك من يتدخل بحياته عليه أن يكون أكثر يقظة في تقييم السؤال ويجعل حسن الظن أمام عينيه وخصوصا اذا عرف الناصح ونيته الصادقة ولنأخذ مثلاً . .
لكي أبني لي بيتاً سيسألني المهندس الكثير من الأسئلة التي تتعلق بنمط حياتي وكيف أعيش ليرسم لي خريطة تلائم ذلك أما أنا فلن أعتبر أي سؤال منه تدخلا في حياتي الخاصة لأني أعلم أنه يريد أن يوفر لي ما فيه فائدتي وراحتي .
والطبيب يسأل مريضه عن أدق التفاصيل في حالته وما يشعر به كي يشخص حالته وبعض الأسئلة قد تكون محرجة لكن المريض لا يتّهم الطبيب بأنه يتطفل ويحشر نفسه فيما لا يعنيه .. لأننا جميعاً نعلم أن الإجابة على أسئلة الطبيب تساعده في الكشف عن المرض وتحديد الدواء
لكننا نقف بوجه الناصح المشفق علينا نتهمه بالتدّخل في حياتنا إذا سأل أو إذا أدلى بنصيحته
نتهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . . نتهم المصلحين الاجتماعيين . . نتهم العالم الناصح الذي يحذرنا من خطر نستجلبه بأفعالنا . . نتهم عالم الدين الذي ينهانا . .
علينا أن نميز ما يعنينا عمّا لا يعنينا وعلينا أن نميز ما يعني الآخرين منّا . . إذا تمكنّا من التمييز هذا ستكون أسئلتنا هادفة وأجوبتنا كذلك واحتكاكنا بالآخرين سيكون طلبا لخير الجميع وسنشخص التدخّل في حياة الآخرين من عدمه وسنعرف الشأن الشخصي عن الشأن المجتمعي وتكون أفعالنا وردودها كلها إيجابية تنشد سعادة الجميع.
https://telegram.me/buratha