الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي ||
على الرغم من ان الامام الحسين -وكما نعتقد- يعلم انه سوف لن يعود الى مكة بعد هذا العام الا انه لم يحج الحجة الاخيرة في حياته فلماذا لم يحج الامام الحسين حينئذ وآثر الخروج من مكة متوجها الى كربلاء ؟
تذكر الروايات التاريخية ان الامام الحسين عليه السلام خرج من مكة كي لايستباح دمه فيها وهو امر متوقع الحدوث لان يزيد بن معاوية وكما ذكرنا في المقالة السابقة دعا عامله في المدينة لقتل الامام الحسين ان امتنع عن البيعة ولولا حذر الامام وتاثيره في المدينة من جهة وتعاطف والي المدينة وامتناعه عن تنفيذ اوامر يزيد من جهة اخرى لكان قد قتل عليه السلام في المدينة ولهذا لم يستبعد الامام عليه السلام تجنيد يزيد لعدد من انصاره في مكة لاغتياله عليه السلام ولكن مع ذلك لاتنحصر علة خروج الامام الحسين دون اداء مراسم الحج برعاية حرمة الحرم من اهراق دمه فيه بل لعل هذا السبب لم يكن الاقوى من بين اسباب خروج الامام الحسين عليه السلام من مكة دون ان يحج وذلك لامور منها:
1. ان الامام يعلم انه سيقتل في جميع الاحوال وان حرمة دم المؤمن اعظم من حرمة الكعبة كما دلت الروايات لاسيما في الاشهر الحرم وربما يكون سفك دم الامام الحسين في الكعبة اشد على يزيد واكثر نقمة عليه في اوساط المسلمين من غيرها من المواضع فاذا كان مقتل الامام عليه السلام في الكعبة سيجلب السخط على يزيد وربما الثورة عليه فهذا يعني ترتب مصلحة على هذا القتل اعلى من مفسدة القتل في الكعبة ولكن اقدام الامام على الخروج من مكة يعلم منه ان مصلحة قتله في كربلاء اقوى منها في مكة.
2. ان فلسفة ثورة الامام الحسين لم تعتمد على دمه كوسيلة وحيدة للثورة على يزيد والا لما خرج من مكة وترك ليزيد واعوانه استهدافه فيها ولكن الامام عليه السلام احتكم الى الوسائل الطبيعية ووضع خارطة الطريق التي تسلكها ثورته ضد الفساد لاسيما بعد توافر الارضية لقيامه وهي وجود القاعدة الشعبية الموالية في العراق ومن الواضح ان الامام الحسين كان سيتخذ الكوفة عاصمة للدولة الاسلامية العادلة الثالثة بعد طي صفحة الانحراف التي فتحها معاوية في الشام.
3. ان الامام عليه السلام خرج من مكة قبل اداء الشعائر لانه يعلم ان يزيد سوف يمنع المسلمين من اداء الحج هذا العام لو لجأ الامام لاستثمار فرصة حضور الحجاج في مكة ودعوتهم لبيعته , وربما يقدم يزيد على قتل الحجاج لو رفعوا شعار البراءة منه وموالاة الامام الحسين كما حصل مع الحجاج الايرانيين لاحقا في مراسم البراءة من المشركين حينما قتلهم ال سعود في مكة ومنى.
4. السبب الاخر الذي يمكن ان يعد من اسباب خروج الامام الحسين المبكر من مكة هو ان مهمة الامام الاصلاحية لاتحتمل التاخير لاسيما ان الحج حينها ليس هو الحج الواجب على الامام وانه شعيرة فردية ترتبط بالامام نفسه في حال ان الثورة على يزيد قضية احيائية عامة تتعلق بحياة الاسلام وعدم اعطاء الفاسد المشروعية للحكم لان تاخيرها يعطي بعض المكاسب ليزيد ودوام بقائه ولو ليوم واحد وهذا لايمنحه له الامام عليه السلام بالبقاء في مكة لاداء فريضة الحج.
العبرة التي نتحصل عليها من ترك الامام الحسين عليه السلام للحج مانراه في ازماننا المعاصرة من ترك كثير من المسؤولين في البلدان الاسلامية مهامهم ومسؤولياتهم وبرامجهم الاصلاحية وذهابهم للحج في كل عام بخلاف مافعله الامام عليه السلام وهم يعلمون ان الله سبحانه لو انطق بيته لصرخ بهم :ارجعوا لا حللتم اهلا ولا وطاتم سهلا.