حامد كماش آل حسين
تميز الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بعدة مناقب وألقاب وقد تكلمنا عن لقب أمير المؤمنين ولقب «قائد الغر المحجلين» واليوم نتكلم عن لقب «يعسوب الدين» وفي صيغة أخرى «يعسوب المؤمنين».
أقول:
من المعلوم ان لفظ يعسوب الدين أو يعسوب المؤمنين، من ألقاب الإمام علي «عليه السلام» لقبه بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وقيل في معناه وكما يؤكده اهل معاجم اللغة والحديث كما سنذكر ذلك لاحقاً، أنه كما أن اليعسوب يكون دائماً متبوعاً من قبل سائر النحل، وليس في الخلية إلا يعسوب واحد، وهكذا فأمير المؤمنين واجب الاتباع من قبل المؤمنين، لأنه أميرهم، ولا ينبغي للمؤمنين ولا للدين من أمير غيره «عليه السلام» فإمام الناس واحد ومرجع الدين واحد، ونستنتج من ذلك انه لا تختلف دلالة «علي يعسوب المؤمنين» عن دلالة «علي أمير المؤمنين»، وبالتالي اثبات الإمامة والخلافة للإمام علي «عليه السلام».
معنى الحديث في أقوال العلماء:
1. قال الجوهري في الصحاح: (واليعسوب بوزن اليعقوب ، ملِك النحل).(1)
2. قال الطريحي في مجمع البحرين:
((في حديث الامام علي «عليه السلام»: «كنت للمؤمنين يَعْسوباً» اليعسوب: أمير النحل وكبيرهم وسيدهم ، تضرب به الأمثال ، لأنه إذا خرج من كوره تبعه النحل بأجمعه ، والمعنى يلوذون به كما تلوذ النحل بيعسوبها وهو مقدمها وسيدها، ومثله ما ورد في الخبر عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قال لعلي: «أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار»،(2) ومن هنا قيل لأمير المؤمنين «عليه السلام»، «أمير النحل»، واليعسوب يقع على طائر نحو الجرادة له أربعة أجنحة لا يرى أبداً يمشي، وإنما يرى واقفاً على رأس عود أو طائراً ، و(اليعاسيب) رؤساء القبائل وساداتها)).(3)
3. قال ابن ابي الحديد المعتزلي:
((هذه كلمة قالها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بلفظين مختلفين، تارة: أنت يعسوب الدين، وتارة: أنت يعسوب المؤمنين، والكل راجع إلى معنى واحد، كأنه «صلى الله عليه وآله» جعله «عليه السلام» رئيس المؤمنين وسيدهم، أو جعل الدين يتبعه ويقفو أثره حيث سلك، كما يتبع النحل اليعسوب، وهذا نحو قوله «صلى الله عليه وآله»: «وأدر الحق معه كيف دار»).(4)
4. قال الزبيدي:
((وفي حديث علي: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار، وفي رواية: المنافقين، أي يلوذ بي المؤمنون، ويلوذ بالمال الكفار أو المنافقون، كما يلوذ النحل بيعسوبها، وهو مقدمها وسيدها)).(5)
5. قال ابن الجوزي:
((ويسمى علي «عليه السلام» يعسوب المؤمنين، لأن اليعسوب أمير النحل وهو أحزمهم يقف على باب الكوارة كلما مرت به نحلة شم فاها، فإن وجد منها رائحة منكرة علم أنها رعت حشيشة خبيثة، فيقطعها نصفين ويلقيها على باب الكوارة ليتأدب بها غيرها، وكذا علي «عليه السلام» يقف على باب الجنة فيشم أفواه الناس، فمن وجد منه رائحة بغضه ألقاه في النار)).(6)
6. قال الدميري:
((ان النبي «صلّى الله عليه وآله» قال لعلي: أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار وفي رواية: يعسوب الظلمة، وفي رواية يعسوب المنافقين، اي يلوذ بك المؤمنون ويلوذ الكفّار والظلمة والمنافقون بالمال، كما تلوذ النحل بيعسوبها، ومن هنا قيل لأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: أمير النحل)).(7)
7. قال المناوي:
«روى السيوطي في الجامع الصغير: علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين»، فقال المناوي في شرحه: ((«علي يعسوب المؤمنين» اي سيدهم، «والمال يعسوب المنافقين»، قال في المحكم: اليعسوب أمير النحل، ثم كثر حتى سموا كل رئيس يعسوباً، وقال ثعلب: اليعسوب ذكر النحل الذي يتقدمها ويحامي عنها..)).(8)
8. قال الشريف الرضي:
في نهج البلاغة عند ذكر قول الامام علي «عليه السلام»: «أَنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار»: ((ومعنى ذلك أن المؤمنين يتبعونني، والفجار يتبعون المال، كما تتبع النحل يعسوبها، وهو رئيسها)).(9)
9. قال أبو القاسم الزجاجي:
((اليعسوب من الناس السيد، واليعسوب رئيس النحل إذا طار طارت معه، وإذا حط حطت)).(10)
النتيجة والدلالة:
نتيجة لما تقدم وكما ذكرنا فقد ثبت ان يعسوب الدين، هو لقب للإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، لقّبه به رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، ومعناه أنّه كما أنّ اليعسوب يكون دائماً متبوعاً من قبل سائر النحل، وليس في الخلية إلاّ يعسوب واحد، وهكذا فالإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» واجب الإتباع من قبل المؤمنين لأنّه أميرُهم، ولا ينبغي للمؤمنين ولا للدين من أمير غيره.
وأما من حيث دلالته فمن المعلوم إن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أكد على استخلاف الإمام علي «عليه السلام» في نصوص كثيرة مستفيضة ومتواترة، ومنها النصوص التي ورد فيها لفظ «يعسوب الدين»، أو بصيغة «يعسوب المؤمنين» وبالتالي فلا تختلف دلالة «علي يعسوب الدين» أو «علي يعسوب المؤمنين» عن دلالة «علي أمير المؤمنين»، كما لا تختلف عن دلالة « أنت خليفتي» مما يثبت ان لهذا اللفظ دلالة على الخلافة والإمامة كدلالة لقب «أمير المؤمنين» وغيرها من الأحاديث، وفيه أيضاً دلالة واضحة على ان معنى «اليعسوب» هو أنه بمعنى مرجع الأمة، وملاذها عند الإختلاف، وما شابه ذلك من معانٍ قــيادية لا تضاهى.
الأحاديث:
1. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: ( يا علي أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين).(11)
2. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: (يا علي إنك سيد المسلمين وقائد الغر المحجلين ويعسوب المؤمنين).(12)
3. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، قال: (علي يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين).(13)
4. روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» قال لعلي «عليه السلام»: (أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين).(14)
5. روي عن الامام علي «عليه السلام»، قال: (قال لي رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: إنك سيد المسلمين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين ويعسوب الدين).(15)
6. روي عن الامام جعفر الصادق «عليه السلام»، قال: (قال رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»: لما أسري بي الى السماء عهد إلي ربي في علي ثلاث كلمات:
فقال: يا محمد
فقلت: لبيك ربي
فقال: إن عليا إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين).(16)
شبهات وردود:
هناك شبهة يثيرها البعض، حيث يقول ما ملخصه:
(... بعد تتبعي لمعاجم اللغة القديم منها والحديث وكذلك أراء المفسرين وجدت إن إجماعاً يؤكد دلالة لفظ يعسوب على ذكر النحل بوصفه قائداً وأميراً لخلية النحل وهو أمر أتاح لهذه اللفظة أن تتعدى خلية النحل لتطلق على كل من يتمتع بالقيادة والأمارة بيد أني وبعد أن تابعت علمياً منظومة أعمال هذه الخلية بكل تفاصيلها التنظيمية والعلمية وجدت أن نظام مملكة النحل هو نظام اجتماعي مستمد من الوحي الإلهي لأنه ليس للنحل أمير أو سيد، والذكور كما ذكر مسبقاً ليس لها عمل يذكر سوى تلقيح الملكات العذارى حتى إنها لا تملك القدرة على التغذية بمفردها لذلك تستعين بالشغالات لتغذيتها وهي لا تملك آله لسع للدفاع عن نفسها، أما الملكة فهي في الواقع أٌم النحل ومسؤولة عن وضع البيض وإفراز الفيرمونات التي تميز الخلية عن غيرها «أعلن Butler سنة 1958م أن الشغالات تميز وجود الملكة برائحتها» وهي لاتحكم الخلية كما هو شائع فبمجرد الإحساس بكبر سنها أو ضعفها تجبرها النحلات العاملات على وضع البيوض في البيوت الملكية لإستبدالها، أما هجرة النحل فهي بالواقع لا تتبع الملكة فيها إنما تُقاد الملكة من قبل الشغالات.
ولا اعلم بعد كل ذلك أصلاً لتلقيب أمير المؤمنين بيعسوب «الدين او المؤمنين» ...).(17)
الجواب:
لقب أمير المؤمنين «عليه السلام»: «يعسوب الدين»، بحسب ما يفهمه العرف من معنى اليعسوب، وهذا التركيب له دلالة بلاغية أكثر مما له دلالة واقعية، فالمعروف أن اليعسوب هو أمير النحل أو قائدها، والعرب لا يعرفون لليعسوب معنى آخر، أما وظيفة اليعسوب في الخلية ودوره من وجهة نظر العلم الحديث فأمر غير منظور له ولا معول عليه عرفاً.
والنكتة البلاغية في تلقيب أمير المؤمنين «عليه السلام» باليعسوب، أن اليعسوب يكون دائماً متبوعاً من قبل سائر النحل، وليس في الخلية إلا يعسوب واحد، وهكذا فأمير المؤمنين «عليه السلام» واجب الاتباع من قبل المؤمنين لأنه أميرهم، ولا ينبغي للمؤمنين ولا للدين من أمير غيره «عليه السلام»، فإمام الناس واحد ومرجع الدين واحد ...(18)
فائدة:
ورد في كتاب نهج البلاغة:
((في حديث الإمام علي «عليه السلام»: «فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه، فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف».(19)
قال السيد شريف الرضي: (يعسوب الدين السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ، والقزع: قطع الغيم التي لا ماء فيها)).(20)
وفي بيانه قالوا:
هذا الكلام في خبر الملاحم الذي يذكر فيه المهدي «عليه السلام».
قال ابن الأثير في النهاية: (أي فارق أهل الفتنة وضرب في الأرض ذاهبا في أهل دينه وأتباعه الذين يتبعونه على رأيه وهم الأذناب، وقال الزمخشري: الضرب بالذنب هاهنا مثل للإقامة والثبات، يعني أنه يثبت هو ومن يتبعه على الدين).(21)
الشواهد:
أ. الشعر:
لقد نظم الشعراء في شعرهم هذا اللقب للإمام علي «عليه السلام» مما يدل على شيوعه بين المسلمين والنماذج الشعرية في ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكرها ولكننا نكتفي هنا بذكر شاهدين:
- قال الوراق:
علي وبيت الله آية أحمد ..... ويعسوب دين المؤمن المتحرم
- قال الصاحب بن عباد:
أيعــــــــــــسوب دين الله صنو نبيه ..... ومن حبه فــــــــــــــرض من الله واجب
مكانك من فوق الفراقد لايح ..... ومجدك من أعلى السماك مراقب
ب. الزيارات:
وورد أيضاً هذا اللقب للإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» في كثير من الزيارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في زيارة أمير المؤمنين «عليه السلام» المطلقة السابعة التي رواها السيد بن طاووس في كتاب مصباح الزائر، ننقل منها موضع الشاهد:
(... السلام على سيد الوصيين، السلام على امام المتقين، السلام على وارث علم النبيين، السلام على يعسوب الدين، السلام على عصمة المؤمنين ...)
والحمد لله رب العالمين
الهوامش:
( 1). مختار الصحاح للجوهري مادة «عسب» ص277.
(2). في نهج البلاغة ج٣ ص٢٢٩: (أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار).
(3). مجمع البحرين للطريحي مادة «عسب» ج3 ص178.
(4). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج19 ص224.
(5). تاج العروس للزبيدي ج1 ص381.
(6). تذكرة الخواص لابن الجوزي ص16.
(7). حياة الحيوان للدميري ج2 ص412.
(8). فيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي ج4 ص358.
(9). شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج١٩ص٢٢٤.
(10). الأمالي للزجاجي ص26 ، شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج١٥ ص٣٠٣.
(11). المناقب للخوارزمي ص210.
(12). فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» لإبن عقدة الكوفي ص١٧.
(13). الصواعق المحرقة ص75 ، منتخب كنز العمال للمتقي الهندي بهامش مسند أحمد ج5 ص31.
(14). إرشاد المفيد ج1ص31 ، إعلام الورى للطبرسي ج1ص360 ، مناقب ابن شهرآشوب ج2 ص6 ، أنساب الأشراف للبلاذري ج2 ص 118، وكذا نقله المجلسي في بحار الأنوار ج38 ص227.
(15). كفاية الطالب للكنجي ص84.
(16). بحار الأنوار للمجلسي ج35 ص 56.
(17). وجدت صاحب هذه الشبهة يتنقل بين مختلف المواقع يطرح شبهته تارة بصيغة سؤال وتارة بصيغة موضوع للمناقشة وتارة ينشر المقالات ليؤكد فيها شبهته وكأنه اكشف شيئاً كبيراً مع ان الأمر ليس بجديد، فقد ورد في المعجم المحيط: (اليعسوب: ملكة النحل، وهي أنثى، وكان العرب يظنونها ذكرا لضخامتها، ويقال: هو يعسوب قومه: رئيسهم وكبيرهم ومقدمهم، والجمع : يعاسيب).
(18). الإجابة رد مركز الابحاث العقائدية.
(19). وفي رواية الشيخ الطوسي في (الغيبة) ص ٢٨: (عن الامام الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: لا يزال الناس ينقصون حتى لا يقال (الله) فاذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه فيبعث الله قوماً من أطرافه يجيئون قزعاً كقزع الخريف، والله انّي لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم واسم أميرهم، وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين حتى بلغ تسعة فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدّة أهل بدر، وهو قول الله «أينما تكونوا يأتِ بكم الله جميعاً اِنَّ الله على كلّ شيء قدير» حتى انّ الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتى يبلغه الله ذلك).
(20). نهج البلاغة للشريف الرضي ص٥١٧/ فصل في غريب كلامه.
(21). النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج٣ ص٢٣٥.
https://telegram.me/buratha