الدكتور فاضل حسن شريف
قال السيد محمد سعيد الحكيم لم يجعل الله جل جلاله الشر في البشر قسراً عليه، وإنما جعل فيه القدرة عليه وملكه اختياره له، ولولا الاختيار لم يكن المحسن محسناً ولا المسيء مسيئاً. ولولا وجود من يختار الشر ويدعو إليه ويسعى له ويجهد في تعميمه لم يظهر فضل فعال الخير والداعي له، ولا ظهر فضل الصبر والثبات عليه، ولا فضل الجهاد والتضحيات في سبيله، ولا فضل الإخلاص ونكران الذات من أجله، حتى أريقت الدماء الزكية لإرواء شجرته، وظهرت الطاقات المبدعة لتثبيت دعوته. وبذلك استحق أهله في الحياة الدنيا بالثناء الجميل والفوز في الآخرة بالثواب الجزيل، وحازوا أفضل درجات المقربين، وأعلى منازل المقربين، وفازوا برضوان من الله أكبر. هذا ما يتيسر لنا معرفته من فائدة ذلك، وإن قصرت معرفتنا عن جميع جهات الحكمة في أفعاله جلَّ شأنه: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة 30). فسبحان من لا يسأل عن فعله لكمال حكمته وهم يسألون.
وجه السيد الحكيم قدس سره توجيهات الى المغتربين منها: هناك بعض الأمور لها أهمية خاصة في علاقتكم بالله تعالى وفي تقويم شخصيتكم وتحديد هويتكم. ذكر الله تعالى ودعاؤه والالتجاء إليه، والتضرع بين يديه في غفران ذنوبكم، وستر عيوبكم، وإصلاح نفوسكم، وجبران نقصكم، وإعانتكم في أمركم، وقضاء حوائجكم العامة والخاصة، ونصركم على أعدائكم، ودفع البلاء عنكم، إنه ولي المؤمنين، الرحيم بهم. وقد تظافرت الآيات والروايات في الحثّ على ذلك، قال عز من قائل "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" (البقرة 152).
ولا يخفى أن مقتضى قوله تعالى "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" (البقرة 183-184)، كون عدم السفر شرطاً لوجوب الصوم، لأن مقتضى الاستدراك في ذيل الآية الشريفة كون حال السفر مستثنى من إطلاق وجوب الصوم في صدرها، ومرجعه إلى تقييد الإطلاق المذكور بعدم السفر، ومن الظاهر أن التكليف لا يقتضي حفظ موضوعه وشروطه، فلا تنهض الآية بالمنع من السفر مقدمة للصوم.
https://telegram.me/buratha