الدكتور فاضل حسن شريف
الفساد هو الابتعاد عن الصواب، وعكسه الصلاح هو الاقتراب من الصواب. وصيغة فعل الفساد ذكرت في القرآن في عدد من الايات. وجاء في القرآن الكريم بصيغتي الفعل والاسم. والمفسد عكس المصلح. وهذا يدل على خطورة الفساد وضرورة مكافحته لانه اساس البلاء والفتنة. ومن الايات التي جاء فيها الفساد بصيغة الفعل "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة 11)، و"لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" (المؤمنون 71)، و "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الانبياء 22)، و "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205)، و "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا" (النمل 34). واكثر الافعال في القرآن الكريم هي عن فساد الارض.
ومن خطوات مكافحة الفساد التي على الخطيب الكاشف لبلاء الفساد توضيحها هي معاقبة كبار الفاسدين، الكفاءة في التعيين، تشديد المراقبة والنزاهة، مساهمة المواطن في الكشف عن الفساد ومكافأة هكذا مواطن، تشكيل دائرة امن خاصة بملاحقة الفاسدين وكشفها قبل حصول الفساد. وهذه الخطوات تقع ضمن مفهوم الاية المباركة "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة 33). ومعاملات المواطنين في الدوائر يتطلب تسهيلها وتقليل الروتين والشكوك ضد المراجع. وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والتموينية الاساسية العامة وبالجودة المطلوبة يؤدي الى تقليل الفساد.
والخطيب عليه ان يعرف ان الله تعالى ربط الفساد بالارض في ايات عديدة منها "وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ" (الرعد 25). و "لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ" (الاسراء 4) وربما يتكرر الفساد من الشخص او المجموعة اكثر من مرة. و (الكهف 94)، و "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ" (المؤمنون 71) لم يذكر الفساد في السماوات الا قليلا، و "الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (الشعراء 152)، و "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (النمل 48). و "وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 77) وعليك ان لا تبغي الفساد في الارض. و من ايات فساد الارض "نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا" (القصص 83)، و "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم 41)، و "أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ" (ص 28)، و "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" (غافر 26)، و "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ" (محمد 22).
ولو يعلم الفاسد ان الله يراقبه قد يجعله يرتدع، وعلى الخطيب المكافح للفساد توضيح ذلك "وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا" (الإسراء 13) حيث أعمال الإنسان الفاسدة تسجل وتعرض عليه يوم القيامة. وعدم الركض وراء هوى النفس هي من ركائز مكافحة الفساد "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" (ص 26) والاية دعوة ورسالة داوود عليه السلام إلى قومه بعدم اتباع الهوى عن سبيل الله وهو سبيل الأمانة وليس اتباع الهوى الذي يؤدي إلى الفساد.
وللقضاء على المجتمع الفاسد فإن معالجته تحتاج إلى تدرج في المعاملة فاللين اولا "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" (طه 44) هكذا بداية الرسل مع الفاسدين الطغاة. و "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (ال عمران 159) كذلك فعل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع قومه الفاسدين في بداية الدعوة وخلالها إلا إذا اعتدوا وتعدوا الحواجز، بالإضافة إلى استخدام الحكمة. والفاسد الذي يشجع الآخرين على الفساد بتحليل اعمالهم اي ضلالهم فإنه يتحمل وزر اخطائهم "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" (النحل 25). ومن أساليب مكافحة الفساد تحفيز الموظفين والعاملين ذوي الأمانة ومعاقبة المفسدين ولو بالتدريج. والعقوبة تكون حسب درجة الفساد وأهميته وقيمته النسبية. وللقضاء على الفساد تبدأ بالقضاء على الفاحشة "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" (النور 19). وان المثابرة والاستمرار على مكافحة الفساد سيقضي على الفساد ولو بعد حين "وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ" (التوبة 106) فان تاب الفاسدون فأمرهم إلى الله بعد ارجاع حقوق المظلومين. و "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ" (إبراهيم 24) فافراد جهاز مكافحة الفساد الصابرة المحتسبة مثل الشجرة الطيبة. و "وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ" (ابراهيم 26) والفاسدون شجرة خبيثة على المجتمع اجتثاثها.
https://telegram.me/buratha