الدكتور فاضل حسن شريف
على الخطيب المهتم بالقضاء على الفساد ان يبين النتائج السلبية للفساد التي تشمل جوانب مختلفة منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية. ففي الجانب الاجتماعي صعود أقلية غير كفوءة لإدارة الأكثرية. والفساد الاقتصادي توزيع الدخول بشكل غير متكافئ. وفي الجانب السياسي حصول توتر من قبل الطبقة المسحوقة ضد الطبقة الحاكمة الفاسدة. والفساد القانوني وهو الجانب الأسوأ ان تكون الدائرة القضائية هي الفاسدة. واحيانا الدول المتقدمة تقوم بابتزاز الدول النامية وهو نوع من الفساد الدولي. كل هذه الجوانب تنطبق عليها الآية الكريمة "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم 41) حتى لا يحصل الفساد "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (القصص 83).
ولتقليل الفساد هنالك وسائل منها وضع الرجل المناسب في المكان المناب، تشريع القوانين التي تعاقب المفسد، القيام بدورات تدريبية للموظفين حول الفساد وعواقبه، وضع محفزات للامينين من الموظفين، المراقبة والنزاهة.
والتبليغ التي من اهم واجبات الخطيب المناهض ضد آفة الفساد هو احد وسائل مكافحة الفساد وهو اسلوب الرسل ولكن اقوامهم جاحدون "وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ" (المائدة 110). ويتطلب توفير الامكانيات والقوة لمكافحة الفساد "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الانفال 60) فاذا لم يتعظوا فمجابهتهم تصبح فرض لانهم الاعداء حقا. وعلى جهاز مكافحة الفساد ان لا يصبح هو جزء من الفساد "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" (هود 113) فلا يغرنكم ما يدفعه الفاسدون لكم لتغضوا النظر عنهم فتذهوا الى النار معهم. و "وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 142) اي عدم الرضوخ للفاسدين. و فلا يغرنك الشيطان بمسايرة الفاسدين فتصبح من الغاوين "فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ" (الاعراف 175). والله سبحانه وتعالى هو الاكثر اطلاعا على الفاسد "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المجادلة 7) فاجتماع الفاسدين في الخفاء يراقبه الله حيث يتناجون بالاثم والعدوان. والامر بالمعروف والنهي عن المنكر احد اساليب مكافحة الفساد "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (ال عمران 104) فحاملوا مكافحة الفساد الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر انهم المفلحون حقا.
والقرآن الكريم يوضح الحالة بمعرفة اضدادها كما اوضحنا ذلك في حلقات سابقة عن الاصلاح وعكسه الفساد. فالله سبحانه يامر بالشئ وينهى عن ضده كما "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ" و "وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ". والفساد مع الاصلاح في تضاد "وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 142)، و "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ" (يونس 81)، و "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة 11)، و "وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ" (البقرة 220)، و "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" (الاعراف 56) (الاعراف 85)، و "الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (الشعراء 152)، و "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (النمل 48)، و "إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ" (ص 22).
ومظاهر الفساد هي الفساد السياسي وخاصة في النظم الشمولية الدكتاتورية او الديمقراطية المنفلتة التي لا تخضع للمسائلة، والفساد المالي الذي لا يخضع للمراقبة او الاحتيال على القوانين، والفساد الاداري وخاصة في الوظائف الحكومية والعامة ومنها التعينات غير الاصولية وضياع وقت العمل، والفساد الاخلاقي كالاعمال المخلة بالحياء داخل العمل.
والعقوبة ضد الفاسد لا تطبق الا بعد توفير الدولة مستلزمات الحياة للمواطن، فمثلا السارق لا يمكن معاقبته والدولة لا توفر له قوت يومه البسيط. وبعد توفير مستلزمات العيش الاساسية للمواطن فيجب عدم ترك المجرم الفاسد يسرح ويمرح بدون عقاب "والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة 38).
الفساد نوع من الفتنة عليك توضيحها أيها الخطيب "إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" (الأنفال 73). ومن معاني الفساد الخراب "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا" (النمل 34)، والمنكر "فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ" (هود 116)، والمعصية "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة 11). ومن المعاصي الفساد في الأرض. والفساد يؤدي إلى الهلاك نتيجة التخريب "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا" (الانبياء 22)، و "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205)، و "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" (الروم 41).
ومن الادعية القرآنية على المفسدين منها "اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 142)، و إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(يونس 81) والله يبطل عمل المفسدين بالدعاء عليهم. و "قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ" (العنكبوت 30).
من الفساد ذبح الأبناء واستحياء النساء "يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (القصص 4). تعاطي المخدرات والتعامل معها نوع من الفساد. كما جاء في الكافي (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَلَكِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا فَعَلَ فِعْلَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ). وانها مضرة بصحة الجسم والعقل وكما جاء في الحديث الشريف (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ). من الفساد العائلي اساءة الولد إلى الوالد "بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً" (البقرة 83) (النساء 36) (الأنعام 151) (الإسراء 23).
والذي يتحدث عن الحكام والمسؤولين عليه ان يحذرهم من آفة الفساد التي عليهم عدم الولوج بها. بين الله خطورة تولي الرعية شخص فاسد مثل والي او حاكم فاسد "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205)، و "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ" (ال عمران 63)، و "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا" (النمل 34)، و "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ" (محمد 22). الحاكم من بدايته اذا سعى او بتعبير اخر اراد الفساد على الرعاية ان يقفوا ضده قبل ان يستفحل في الفساد"وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205).
ويتطلب من الخطيب ان يحطم سعي المفسدين. والفساد يتطلب الى سعي اي حركة وجهد كما في الايات المباركة "وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" (المائدة 64)، و "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205)، و "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا" (المائدة 33). لذلك عند مكافحة الفساد يتطلب ايقاف سعي المفسدين قبل حصولهم على مرادهم.
https://telegram.me/buratha